أنور العنسي
(سالمين) رمز (أكتوبر) النبيل!
الأحد 17 اكتوبر 2021 الساعة 06:56

تعرَّض الرئيس الجنوبي اليمني الراحل  سالم ربيِّع علي لما يبدو أنها كانت أدهى محاولات  استقطاب أممية وإقليمية، أولاً  لفرط عقد العلاقة بين إخوة السلاح، رفاق حرب التحرير الآخرَين عبدالفتاح إسماعيل، وعلي ناصر محمد، وثانياً لشق وحدة النظام (الإشتراكي) الناشئ في جنوب اليمن الأكثر ميلاً إلى الإتحاد السوفياتي حينذاك خلال الحرب الباردة مع الغرب.
كانت لديّ في عشرينيات عمري قناعة بأن أبطال حروب التحرير يجب أن يلقوا بنادقهم جانباً بعد أن ينجزوا مهمتهم، ويتركوا مهمة بناء الدولة لغيرهم.
بل أكثر من ذلك كنت أتوقع أن السياسة (فتنة) وأنه إذا جرى الخلاف مع أحد الرفاق الثلاثة فستكر حبَّات السبحة ليتخلص الثاني من الثالث، وهذا للأسف ما حدث!
أولى محطات الافتراق بين الرفاق الثلاثة بدأت عندما بدأ عبدالفتاح يأخذ الأمور أكثر باتجاه موسكو باعتبار أن "من يكون حليفه الإتحاد السوفياتي فلن يستطيع أحد هزيمته" فيما إتجه سالمين نحو الصين وصديقه (شون لاي) ولكن في النهاية لا موسكو وفت بوعدها لفتاح ولا بكين وقفت إلى جانب سالمين.
ثاني تلك المحطات عندما قام عبدالله الحمدي رفيق سالمين في حركة القوميين العرب بتقديم سالمين إلى أخيه الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي الذي قام هو الآخر بتقديمه خلال إحدى القمم العربية إلى زعيم خليجي. 
أهدى الأخير لسالمين هاتفاً يعمل بالأقمار الصناعية بهدف (التواصل)!
وبعد أيام فوجئ موظفو مطار عدن بوصول وفد خليجي صغير يحمل معه حقيبة تحتوي على مليوني دولار هدية للرئيس سالمين لمساعدته على تصريف أموره!
كان هذا أمراً صادماً في تلك الظروف التي غلب فيها التطرف والمزايدات الحزبية، ولكن بالتأكيد أن سالمين لم يطلب هذا المال ولم يستخدم جهاز الاتصال ذاك، غير أن هذا ما جرى في سياق محاولات فض التحالف بينه ورفاقه في الجنوب من ناحية، ومنع تطور علاقته مع الحمدي في الشمال من ناحية أخرى.
كان سالمين على اطلاع كاف بما كان عليه الوضع سابقاً في الشمال بحكم ذهابه إلى هناك لجلب السلاح وتجنيد المقاتلين خلال حرب تحرير الجنوب من الاستعمار البريطاني، وعندما عاد لزيارة الشمال في منتصف سبعينيات القرن الماضي أدرك كم هو الفارق التنموي الذي تفوق به الشمال على الجنوب بفضل عائدات أبنائه المغتربين في دول الخليج، وبالتالي بدأ سالمين يطرح على رفاقه في المكتب السياسي بعض الأفكار لإعادة ضبط العلاقة مع السوفيت والصين بما يسمح بالاستفادة من أموال المغتربين التجار الأثرياء الأذكياء الجنوبيين في الخليج.
وكانت هذه محطة أخرى للإرتياب منه أكثر.
عندما جرى اغتيال إبراهيم الحمدي وأخيه لم يتمالك سالمين نفسه، وأصر على السفر إلى صنعاء والهبوط في مطارها  للمشاركة في تشييع الأخوين الحمدي، وذلك على الرغم من تهديده بنسف طائرته، لكنه أقدم بشجاعته المعروفه على فعل ما أراد.
ربما دفع سالمين حياته بعد ذلك ثمناً لوفائه ليس فقط لصديقه الحمدي ولكن أيضاً لقناعته بأن تشطير اليمن بين شمال وجنوب وضع شاذ وأنه يجب إعادة الاعتبار لليمن بالوحدة والتنمية والمصالح المشتركة بين أطرافه. 
لا شك أنه كان للرفاق الثلاثة (سالمين، وفتاح، وناصر) طريقته في النظر إلى الأمور، لكن طريقة سالمين كانت الأكثر واقعية،  الأكثر شعبوية، لا لأنه أراد هذا، لكن هذا كان ما يتسق مع سجيته وطباعه وبساطته.
لا تقل شعبية سالمين في جنوب البلاد وشمالها عن شعبية صديقه إبراهيم الحمدي، ولكن ثمة فوارق جوهرية بين الرجلين، سالمين رجل تلقائي للغاية تماماً، يدخل إلى اجتماعات المكتب السياسي للحزب الحاكم دون ورقة أو قلم، وينزل من شقته في التواهي إلى مقهى في الحي، قريباً من الناس إلى درجة يصعب تصديقها، غير أن إبراهيم كان أكثر ترتيباً وتنظيماً في اجتماعاته ولقاءاته، ربما بحكم خلفيته التعليمية والعسكرية، لكن ما كان يجمع بينهما هي تلك الكاريزما أو الجاذبية السياسية أمام عامة الشعب.
من اليقين أن سالمين كان أكثر ميلاً إلى فكرة أن الوحدة مع (الشمال) والتصالح مع (دول الجوار) أكثر جدوى من التحالفات مع قوى ودول (بعيدة) في الجغرافيا والثقافة.. كان في تقديري محقاً، ولكن من كان في ذلك الوقت يبدو قادراً على فهم حسابات سالمين؟
 

 

مقالات
همدان العليي
سياسة الانحناء الحوثية والخطاب التحريضي
د.عبدالوهاب طواف
أنفاق الجماعة في جبال صعدة
نبيل الصوفي
ثواني الحادث وألطاف الله الهادرة
نبيل الصوفي
عن مصدر هزائم اليمنيين الأول
كامل الخوداني
مناضلين "فير اند لفلي"
همدان العليي
عن تحريض اليمنيين ضد الأشقاء