في الحرب لا يكاد ينشط شيء مثل الجاسوسيّة والعمل الإستخباراتي، وغالباً ما يكون انتصار أيّ طرف رهيناً بإجادته هذا العمل. والواقع أنّه حين ينكشف جزء من العمل الاستخباراتي لطرفٍ ما فإنّ ذلك يعدّ نصراً للطرف الآخر لا يُقدّر، ذلك أنّه يكون قد أمسك خيطاً من شأنه يقوده لخفايا مهمّة وحاسمة.
شاهدنا جميعاً الفيلم الوثائقي "خيوط العمالة"، الّذي قدّمت فيه وزارة الدّفاع اليمنيّة كشفها لإحدى الحالات الجاسوسيّة كانت توغّلت إلى الحدّ الّذي جعل من نجاة وزير الدّفاع وأبرز قيادات الجيش الوطنيّ ضرباً من ألطاف الله، وأيضاً من رداءة المنظومة الصاروخيّة للميليشيا. وفي الفيلم رأينا جميعاً الدّور الحاسم الّذي اضطلع به ضابط كبير، برتبة عميد ركن، كان يتقلّد منصب مدير "إدارة المستودعات" في الجيش الوطنيّ، الضابط المدعوّ خالد الأمير، المنتمي للسُلالة.
منذ بدء الحرب، وتأسيس الجيش الوطنيّ ارتفعت قليل من الأصوات تقول بأنّ على القيادة الشرعيّة تحييد السلاليين المنضوين في معسكر الشرعيّة عن المناصب المهمّة في الجيش وذلك وفقاً لمنطق اللحظة التاريخية التي يعيشها شعبنا في حربه الوجوديّة هذه ضدّ السلالة الّتي تكاد لا توفّر أيّما وسيلة لاستعباده والاستحواذ على دولته وهويّته، لكنّ أحداً من القيادة الشرعيّة لم يستمع لتلك الأصوات، هكذا بمنطق أنّ الدّولة لا تقوم على الاحترازات وإنّما بمقتضيات العدل والدّليل! وكأنّنا نعيش في ظلّ دولة لا يتهددها أيّ خطر، دولة تعيش بوضعها الطبيعيّ وتوزّع خيراتها وامتيازاتها لجميع أبنائها بلا اكتراث لأحزابهم وفئاتهم، توجهاتهم وانتماءاتهم!
بالطّبع يمتلك الجيش الوطنيّ، مثله مثل أيّ جيش في العالم، نوعاً من استخبارات داخليّة تعمل على صيانته من الدّاخل، هكذا أشبه بجهازٍ مناعيّ، هي الّتي كشفت الحالة الجاسوسيّة صاحبة الموضوع، لكنّ هذا لا ينبغي أن يكون كافياً لتبرير بقاء ضباط منتمين للسلالة متربّعين على مناصب في ذروة هرم الجيش. لنعزّز هذه القناعة دعونا نطرح السؤال التّالي: ما هي الكلفة الّتي تكبّدها الجيش الوطنيّ نتيجة للجهد الجاسوسيّ الّذي اضطلع به الضّابط الخائن منذ تقلّده منصبه إلى أن تمّ كشفه واقتياده؟! نتحدّث هنا عن شهداء وجرحى من العسكريين والمدنيين، ناهيك عن كلفة الإرباك الّذي أحدثته كلّ تلك المحاولات الصاروخية للنّيل من قيادات الصّف الأوّل في الجيش. لماذا نتكبّد كلّ هذا العناء طالما بمقدورنا تجاوزه بمجرّد قرار حاسم وقويّ بتحييد الضبّاط السلاليين عن المناصب الحساسة مؤقّتاً، هذا القرار المُبرّر كليّاً بحيثيّاتٍ أنصع من جبين الشّمس؟!
منذ بداية تأسيسه يواجه الجيش الوطنيّ تحدّيات خطيرة جمّة، من اغتيال لقيادات عليا إلى تفجير مخازن سلاح إلى إرباكات هائلة على صعيد التكتيك في المعارك، صعوبات لم تفتأ للأسف الشديد تنعكس على أدائه سيّما في السنتين الأخيرتين في شتّى الجبهات. بالطّبع ثمّة مشكلة كبرى وأساسيّة وحاسمة تتمثّل في بقاء منظومة الاتصالات تحت سلطة الميليشيا حتّى اللّحظة، لكنّ هذه المشكلة على ضخامتها ما كان لها أن تؤدّي إلى كلّ هذه الفداحات لو لم تكن مسنودة أيضاً بمجهودات عناصر من داخل الجيش، عناصر تتحمّل القيادة الشرعيّة المسؤوليّة الكبرى في تمكينها وتوغّلها.
هل هذا يعني أنّ مشكلة الجاسوسيّة ستنتهي بتحييد الضباط المنتهية أسماؤهم بألقابٍ سلاليّةٍ؟! بالطّبع لا. لكننا نتحدّث هنا كما أسلفنا بأنّ حساسيّة اللحظة التي نعيشها وبؤس الواقع الّذي صرنا إليه، كلّ ذلك يستلزم اتخاذ إجراءات احترازيّة حازمة، سيّما ونحن نتحدّث عن ضباط ينتمون نسباً إلى سلالةٍ تشنّ على شعبنا حرباً بدافعٍ عِرقيٍّ، ضبّاط يتواجدون حاليّاً في أهمّ وأغلب المناصب الحساسة في الجيش الّذي ننتظر منه تحقيق النّصر على الميليشيا الّتي كلّ قياداتها من أبناء عمومتهم!
هل يجب أن نعيد ونكرر أيضاً أنّنا لا نقدح، بمطالبتنا هذه، في وطنيّة أيٍّ من الضبّاط المنتمين نسباً إلى السُلالة ونتّهمهم بالخيانة والعمالة؟! إنّنا على العكس نرى في ذلك حفاظاً عليهم هم بالذّات، ذلك أنّ من شأن تحييدهم حمايتهم من أيّ أذىً قد يطالهم سواءً من الموتورين من شعبنا والمنضوين في المؤسسة العسكرية، الّذين كبّدتهم الميليشيا السلاليّة حتّى الآن آلاف الجراح الغائرة، وأيضاً حمايتهم من الميليشياويين من أبناء عمومتهم الّذين لن يعدموا مع الوقت أن يجدوا طريقةً يتمكّنون من خلالها التّأثير عليهم بطريقةٍ أو بأخرى.
انطلاقاً من كلّ هذه الحيثيّات، ننتظر من شرعيّتنا، متمنين أن لا يكون الوقت قد فات على هكذا معالجات، اتخاذ هذا القرار الماسّ والحازم.
*المصدر أونلاين