بعد خمس سنوات من الحرب يتساءل الكثير من الناس اليوم عن الأسباب التي أدت إلى عدم حسم المعركة وحدوث بعض الانتكاسات القاتلة التي حصلت مؤخراً في جبهتي نهم والجوف وأين ذهب الجيش الوطني في كل من المنطقة العسكرية الثالثة والسادسة والسابعة الذي يفوق عدده مائة ألف حسب كشوفات المرتبات، وهنا أود أن أتحدث عن بعض ما لدي من تفاصيل قد لا يعلمها البعض خاصة وأنا كنت عضو في اللجنة الحكومية لصرف مرتبات الجيش والأمن في نهاية العام ٢٠١٦م الذي كان يرأسها الأستاذ عبدالعزيز جباري نائب رئيس الوزراء وزير الخدمة المدنية حينها.
وصلنا إلى مأرب بتاريخ ٦ ديسمبر ٢٠١٦م بعد لقاءنا بالفريق علي محسن الأحمر نائب رئيس الجمهورية في الوديعة واستقرينا في القصر الجمهوري بمأرب، فوجئنا في البداية أنه لا توجد أي قاعدة بيانات لدى هيئة القوى البشرية ودوائر شؤون الضباط والأفراد، عرفنا حينها أن هذه بداية الخلل، فلا قاعدة بيانات للجيش ولا هيئات ودوائر مفعله مجرد أسماء ومناصب فقط، وبعد الحديث مع اللواء محمد المقدشي رئيس الأركان حينها أخبرني بأن علي التواصل بالعقيد فارس الذيباني مدير مركز القيادة والسيطرة حينها وهو المعني باستلام الكشوفات من الهيئات والدوائر والمناطق العسكرية وتسليمها لنا.
استقبلنا بعدها الكشوفات التي كانت تصلنا من مركز القيادة والسيطرة وبدأنا نشكل اللجان الفرعية للصرف، حيث كانت البداية من المنطقة العسكرية الثالثة والوحدات الأمنية في محافظة مأرب.
بدأت اللجان الفرعية بالصرف من المواقع الأمامية بحسب مأتم إقراره في اجتماع اللجنة وبدأنا نستقبل البلاغات وكانت المفاجأة الثانية أن أغلب من في الجبهات أفراد بينما الضباط معظمهم جالسين في المجمع وخاصة قيادات المقاومة الشعبية ومرافقيهم وكذلك قيادات المحافظات المتواجدين في مأرب
بدأت بعدها تصلنا الشكاوى من اللجان الفرعية عن تجاوزات بعض قادة المناطق والوحدات العسكرية وقيام البعض منهم بالصرف لأشخاص غير متواجدين في الميدان وأسماء وهمية دون توقيع ممثلي الحكومة والمالية و... الخ
كنا نعتقد في البداية ان الأسماء الموجود في الكشوفات هي من الواقع دون مبالغة، لكن ما اكتشفناه لاحقاً بعد زيارة الأستاذ عبدالعزيز جباري برفقة الفريق علي محسن الأحمر نائب رئيس الجمهورية إلى نهم ولقائهم بقيادات المنطقة والوحدات العسكرية فيها، وسؤال نائب الرئيس لهم عن القوة المتواجدة في الجبهة لكل لواء حيث كان رد معظم قادة الألوية بأن الموجود لا يتجاوز ٢٠، ٣٠ ٪ من كشوفاتهم المرفوعة إلينا
عملت اللجنة كل ما بوسعها من أجل صرف رواتب القوة الفعلية المتواجدة في الميدان واوقفت عدد من اللجان عن الصرف بعد حدوث بعض التجاوزات، ولكن التوجيهات العليا من الأخ نائب رئيس الجمهورية كانت تأتي بالصرف والتغاضي كي يبقى السقف المالي مرتفع لأنه سيستمر ثابت ولن يتم اعتماد غيره لاحقاً وبالتالي يكون هناك وفر لتغطية رواتب المنظمين الجدد وأي احتياجات ضرورية أخرى خاصة أنها كانت حينها مقدمة من الأشقاء في المملكة قبل أن تتحول على الحكومة لاحقاً بعد اعتراض الأشقاء نتيجة زيادة الأعداد الذي تجاوز الـ ٤٠٠ الف تقريباً في جميع المناطق العسكرية
بعد الانتهاء من صرف مرتبات شهر نوفمبر ٢٠١٦م لأكثر من ١٢٠ الف ضابط وجندي بمبلغ إجمالي يتجاوز ٩ مليار وخمسمائة مليون ريال غير مرتبات الشهداء وقوات الأمن في مأرب والجوف واب وذمار والبيضاء، بدأنا مراجعة تقارير اللجان الفرعية ومطابقة كشوفات الصرف على مستوى هيئات ودوائر رئاسة الأركان والمناطق والوحدات العسكرية واكتشفنا وجود قرابة العشرة آلاف اسم مزدوج، تم فرزها جانباً ووضع إشارة عليها في كشوفات صرف راتب ديسمبر وتم اتخاذ الخطوات اللازمة تجاه ذلك لاحقاً أثناء الصرف
انتهت اللجنة من عملها و تم تسليم كل بيانات الجيش لهيئة القوى البشرية وكانت هذه أول قاعدة بيانات شاملة تتوفر لدى رئاسة الأركان.
بعد تعيين اللواء طاهر العقيلي رئيساً للأركان التقيت به واخبرته بكل الاختلالات الإدارية الموجودة في الجيش الذي لاحظتها خلال فترة وجودنا في مأرب.
كانت أهم الاختلالات تتركز في سوء أداء ( هيئة القوى البشرية، هيئة الدعم اللوجستي، هيئة الاستخبارات والاستطلاع، دائرة القضاء العسكري، دائرة التوجيه المعنوي، الدائرة المالية ) وكلها لازالت مستمرة حتى اليوم للأسف الشديد إضافة إلى تعدد القرار
بحسب ما وصلني لاحقاً حاول اللواء العقيلي إصلاح الاختلالات في الدائرة المالية فقط وحقق بعض الإصلاحات البسيطة بسبب لوبي الفساد الموجود في الدائرة ومن يقف خلفهم، أما معظم قادة المناطق والوحدات العسكرية فكان موقفهم رفض استلام المرتبات إلا بحسب كشوفاتهم الملغمة بالأسماء الوهمية وليس بحسب القوة الفعلية ولهذا كانت تستمر المبالغ المالية أحياناً في البنك المركزي مأرب عدة أشهر لا تصرف نتيجة تعنت قادة المناطق والوحدات العسكرية مما كان يدفع الكثير من الضباط والأفراد إلى ترك الجبهات والبحث عن عمل لتوفير احتياجات أُسرهم
كما أدى ذلك التضخم في الكشوفات إلى عجز الحكومة لاحقاً عن صرف مرتبات الجيش والأمن شهرياً حتى اليوم
بعد تحديد الاختلالات وجوانب القصور في الجانب المالي والإداري الذي انعكس سلباً على الجانب العسكري في الميدان وفي هذه المرحلة الحرجة من تاريخ البلاد خاصة بعد الانهيارات التي حدثت في جبهات نهم والجوف وجب علينا التأكيد على أهمية أولاً أن يتولى قيادة الجيش أي من وزير الدفاع أو رئيس الاركان ويتحمل المسؤولية بصلاحيات كاملة تمكنه من معالجة كل الاختلالات آنفة الذكر وغيرها من الاختلالات بصورة سريعة دون تأخير ووضع خطة تحرير شاملة تغير الوضع من الدفاع إلى الهجوم، ويتولى محافظو محافظات مأرب وصنعاء والجوف والبيضاء مسؤولية التواصل والحشد والترتيب والتنسيق مع القبائل وتنظيمهم وتسليحهم وتوزيعهم بحسب الخطة العسكرية التي تعدها رئاسة الأركان ويفضل تعيين نائب ثاني لرئيس الوزراء وينتقل للميدان للإشراف على ذلك، كما يتوجب على كل منتسبي الجيش ضباط وأفراد التخلي عن الولاء الحزبي والتنظيمي والإلزام بتوجيهات وخطط قيادة الجيش، كذلك الأحزاب السياسية مطلوب منها وقف كل المهاترات الإعلامية والعمل سوياً في مواجهة الخطر الذي يترنح بالجميع، أما بخصوص المرتبات فيتوجب على الحكومة سرعة صرف مرتبات الجيش المتواجدين في الميدان عبر لجان ميدانية يداً بيد دون تأخير لأن من غير المنطق ان نطالب الضابط او الجندي البقاء في الجبهة بدون راتب يغطي احتياجات أسرته
أخيراً يجب أن ننوه إلى أن التقدمات التي حققها الحوثيين في بعض المواقع ليست لأنهم أقوى منا او نتيجة لشحة الإمكانيات أو قله في عدد المقاتلين
إنما السبب الرئيسي هي الاختلالات المذكورة سابقاً إضافة إلى تشتت القيادة وعدم توحيد القرار.
ورغم ذلك لازال أبطال الجيش الوطني وابناء قبائل مأرب يحققوا انتصارات عظيمة ويضربوا أروع الأمثلة في التضحية والفداء وآخرها ما حصل الأمس من انتصارات في جبال هيلان، ولهذا على الناس أن لا ييأسوا ويستسلموا لإعلام الحوثي واكاذيبهم فوالله أن في الميدان رجال لو صدقت النوايا وصححت الاختلالات ووحد القرار لغيروا المعادلة على الأرض
نحن أصحاب قضية عادلة وما علينا إلا أن نعيد تصويب المسار ولا نحمل الآخرين فشلنا واخفاقاتنا فالقضية قضيتنا والمعركة معركتنا والبلاد بلادنا، ومن مد الينا يد العون فمشكور ولن يستطيع أحد ان يقف في طريقنا إن صدقنا مع انفسنا واحسنا النوايا.
ختاماً أكرر الدعوة للجميع وبالأخص كوادر وقيادات الأحزاب السياسية للكف عن المهاترات الإعلامية ووقف سياسة الترهيب والتسفيه لكل من ينتقد الأخطاء ويطالب بإصلاحها فالوطن وطن الجميع ومصلحته تهم الجميع دون مزايدة من أحد فالكل يشعر بناقوس الخطر يدق على الأبواب ونحن الآن في مرحلة فاصلة لا مجال أمامنا إلا المصارحة والمطالبة بإصلاح الخلل قبل فوات الأوان.