يبدو أن مجريات الأحداث في اليمن بدأت تنعكس على الإقليم وبات المثل القائل " لا تلعب بالنار تحرق صبيعك" يبرز للعيان، الذين لعبوا مع الحوثيين قبيل السقوط جرفهم السيل وشلهم وهم التماهي معهم إلى الصحاري وبطون الأودية، وسيتكرر الحدث حتماً مع الذين لم يحسموا الحرب وضلوا يستَعدون هذا الطرف من اليمنيين ضد ذاك ويتصالحون ويتماهون مع ذلك دون وعي لمخاطر تداعيات المرحلة، متناسيين أن إيران صاحبة المشروع الحقيقي في اليمن مشاطئةً لهم في الضفة الأخرى بل وتدَّعي بأنها صاحبة الحق التاريخي في كل الأراضي المطلة على خليجها الفارسي ذلك ما قاله الدكتور عبدالله النفيسي المتخصص بالشأن الشيعي في المنطقة، بعد سماعه من أحد رموز النظام الإيراني وأكده في أكثر من لقاء تلفزيوني وحذر من تساهل كل دول المنطقة قبيل سقوط صنعاء في الحضن الإيراني ولم يتنبه لتحذيراته أحد.
صحت الدول والقيادات والأحزاب واللص يطرق بابها، يريد الدار وما حوى أهلاً ورعية، اللص لوى أعناق الكل على حين غفلة من زمن الرجال، خابت التحسبات، وأودت عمق الخصومات الحزبية والعصبية البينية دولاً جماعات وأحزاب إلى ما نحن فيه من منزلقٍ خطير، والذي يعتقد أنه ناجٍ من طوفان الصراع القادم فهو واهم.
الذي أشعل الحرب العالمية الأولى الشاب الصربي "غافريلو برينسيب" المتعصب ليوغزلافيته بعد اغتيال وريث عرش الامبراطورية النمساوية والمجرية وزوجته أثناء تجوالهما في صربيا أعلنت النمسا الحرب على يوغسلافيا على إثر تلك الجريمة، تداعت الدول واشتعلت الحرب العالمية الثانية ولم تسلم على إثرها حينها بلد في أروبا.
أطاحت الحماقات بدول وامبراطوريات وهُجِّرت شعوب وقُتلت أُمم، ما الذي فعلته حماقة صدام حسين بالعراق جيشاً وشعباً وجامعات وعلماء في كل مجال؟ ما الذي جناه الأحمق هتلر من حربه العالمية الثانية ضد نصف الكرة الأرضية؟ وما الذي كسبته ألمانيا من حمقه وغروره، بيعت مصانعها خردة واقتيد من نجا من علماءها زرافات إلى بلدان الغرب؟ واغتصبت النساء الألمانيات بالآلاف من قبل جنود الحلفاء وانتُهبت الممتلكات وسقط الرايخ تحت نيران مدفعية الشرق والغرب وقُسِّمت إلى نصفين، وما الذي جناه علي صالح من حماقته جراء تحالفه ومن لف لفه مع من غدروا به وقتلوه؟.
خرج الغرب من درس الحرب العالمية الثانية أن الحلول ليست في الحرب وأن التعايش وبناء الدول وفقاً لقوانين العدل المساواة واحترام تبادل المصالح المشتركة هو الحل.
ولن تتعلم الدور الفارهة والقصور الشامخة حتى تصل ألسنة النار إلى مجالسها ويستفيق ساكنيها من سبات الغفلة، العالم ينظر إلى ما في بطون أرض الجزيرة وسيحاربون خارج أراضيهم ولن تمس شعوبهم شظية طلقة واحدة، لن يخسروا شيء وسيجنون وحدهم ثمار كل شيء وسيخرج الناس إلى الصحراء يستغيثون ولا مغيث.
الحرب بين أمريكا والغرب وإيران من أربعين سنة غير أنه لم يُطلق صاروخ أو قذيفة على طهران احترقت معظم شعوب المنطقة بنيرانها وهي سالمة، ذبحت إيران ساسة المنطقة بقطنتها الناعمة وهم ساهمون في الهوى والتيه، وستُستفز خزانات النفط بها من قبل الغرب وتسحب الأرصدة بحجة الحماية، لن يقتلوا الضبع الذي يهدد القطيع لأن مبرر الحماية مصدر لحومهم والحليب، وسيؤكل القطيع كله والضبع باقي هذا ولن تخلُ القسمة من نصيب الضبع.
اليمن سر همنا وهوانا، ذهبت بين فكي الضبع ومخالب الغرب ولن يجنِ شيعة شوارع صنعاء إلا بقدر ما جناه كل اليمنيين من الاسى والحزن ولن يكونوا شركاء إلا في هيام الشوارع وآلام الجوعى والجرحى على أرض اليمن، وكما يعتقد السلاليون الحوثيون أن لهم الحق الإلهي في حكم اليمن دون سكانه الأصلين شعوب حمير وقحطان حكام المنطقة التاريخيين، يعتقد الفرس أيضاً أن لهم الحق التاريخي في السيطرة على اليمن والمنطقة ولن يتركوها بسهولة، كما يعتقد الغرب كله في المقابل أن لهم الحق في ثروات المنطقة وكسر أذرع قادتها الذين لم يحسنوا الأداء ويحافظون عليها تحت ذريعة الحماية.
وأخيراً تستحكم الغرابة كلها على الرائي والسامع كيف لا يتساقط لحوم وجوه المستفيدين من محنة اليمن جراء نظرات الناس إليهم وكيف لهم أن يضعوا أعينهم في أعين اليمنيين بعد الذي جرى لهم، لأن كل ذلك سينسحب حتماً على مستقبل بلدهم وأولادهم، وكيف لا تعافهم ثيابهم ويستحي أن يمشي ظلهم معهم من الهون الذي سكن صدورهم وسقوط كبريائهم كأناس ألقى الناس على عواتقهم حمل الأمانة وثقل مسؤولية الوطن أرضاً وشعب.