لو أنَّ هناكَ روائيًّا يلتقطُ خيطَ الفكرة من حياةِ «المكحَّل»، الثائر القادم من رحِمِ الحارات الشَّعبية، والبيئات المطحونة؛ لكتبَ عملًا ملحميًّا عن ثائرٍ خام رأىٰ نفسه ميتًا، بينَ أحياء هم إلىٰ الموتى أقرب، ومن وسطِ الجحيم، انبعثَ صوته يندِّدُ بالظُّلم، الجاثم فوق صدورنا منذ سنوات.
يستطيعُ الروائي أن ينظمَ خيطًا لحياةِ الرَّاحل، وتربيته في الأزقةِ القديمة، تربية الملايين من سواد النَّاس، ومن ثمَّ القرار الذي اتخذه بالوقوفِ ضدَّ الكهنة، والظلام!
وفي الوقتِ ذاته سيكونُ توثيقًا لسيْر النَّاس وحياتهم في إب، والحفر العميق في نسيجِ المجتمع الغائم وراءَ مخيالٍ ضبابي. لم نكتشف بعد المجتمعَ الإبي، المتكئ علىٰ جدرانه الصَّامتة، السَّادر في الهدوء، المنزوي عن الظهور، الساكن دومًا، كيف به يخرجُ ماردًا ثوريًّا مثل المكحل؟!
الروائي ناصر عراق في روايته «الأوزبكية» جعلَ بطلَ الرواية الشَّاب الثَّائر (أيوب السّبع)، ثائر في وجه المحتل، شخصية بمواصفاتٍ شعبية، خرجَ من رحمِ الأحياء الفقيرة، أشبه بالمكحَّل، ثائر صلب، يحمل في تصوراته ما تتصفُ به الأحياء التي خرجَ منها.
لقد كسرَ الروائي أفقَ التَّوقع لدىٰ القارئ، بإخراجه الثَّائر من مواصفاته المثالية، الملائكية، المؤسْطَرَة، إلىٰ الفضاءِ الشَّعبي، البسيط، فظهر أيوب السّبع/المكحل وهو يقارعُ سحق الكرامة، بصورة بطلٍ لا تحملُ بُعْدًا نمطيًّا عنِ الثَّائر المحافظ المتدين البعيد عن مقارفةِ السوء، المتشبع ببعدٍ ثقافيٍّ، نخبويّ بارد، أو الثائر المؤدلَج المدعوم من قوى خفية، وإنما شاب من عامةِ النّاس وجد نفسه فجأة في وجه الدفاع عنِ الأرض، فامتثل؛ ودفعَ روحه ثمنَ ذلك.
فمن لها؟
*من صفحة الكاتب.