بدأ الاحتفال بـ (يوم الغدير) لأول مرة في اليمن في أواخر عام 1073هـ، أكد ذلك المُؤرخ المُنصف يحيى بن الحسين - ابن أخ المُتوكل إسماعيل بن القاسم - في كتابه (بهجة الزمن)، وعلق عليه بـ «أن من سنَّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة».
وفي ذلك قال المُؤرخ المُتشيع أبو طالب: «والساعي فيه مولانا أحمد بن الحسن بمشاورة الإمام، واستحسانه الرأي، وتلقيه بالإعظام، وكان ابتداء هذا الشعور بحبور، فعمَّ الشيعة بفعله السرور.. وقام بذلك للشيعة الشنار، واتقدت النواصب بسلال النار».
كما اتهم المُؤرخ ابن الحسين قريبه يحيى بن الحسين بن المؤيد محمد، بأنَّه أول من جاهر بسب ولعن الصحابة في اليمن، وطعن بالزيدية وأهل السنة معاً، وحذف أبواباً من مجموع الإمام زيد بن علي، وبث النسخ الناقصة بين أيدي الناس.
تولى الأمير ابن المؤيد حينها إحدى المناصب، فبالغ العلامة صالح بن مهدي المقبلي في نصح المُتوكل إسماعيل حتى عزله، إلا أنَّ ذلك العزل لم يستمر طويلاً، إذ سرعان ما تولى منصباً آخر، وقد صار لهذا المـُتشيع أنصار كُثر، وما الحضور الإثنى عشري في الموروث الزيدي إلا امتداد لذلك.
كان الشعراء أحمد بن سعد الدين المسوري، والحسن الَهَبل، وأحمد بن ناصر المخلافي من أبرز أنصار ابن المؤيد، أطلق الأول لقب (سيوف الإسلام) على أبناء الأئمة، وكذلك لقب (سيدي) على العلويين بدلاً من السيد والشريف، فيما سمى الأخير نفسه بـ (كلب آل البيت)؛ بل ووصل به التعصب أن سب علي بن ابي طالب؛ لأنَّه - حد وصفه - تارك حقه.
حفزَّ هؤلاء المتعصبون الأمير ابن المؤيد على الدعوة لنفسه 1079هـ، ومضوا يرغبوه بالخروج على عمه، ويوعدوه بالنصر، ويمنوه بأن قبيلتي خولان، والحيمة ستلتفان حوله، وخاطب الشاعر الَهَبل ذلك الأمير مُحفزاً:
قم بنا يا بن المصطفى
نطلب الحق؛ فقد آن القيام
والشاعر الهبل هذا، هو: الحسن بن علي بن جابر الَهَبل، ولد بصنعاء 1048هـ، وبها توفي 1079هـ - عن 31 عاماً، وأصله من قرية بني الهبل - خولان، كان من المقربين للأمير أحمد بن الحسن، وأحد مقاتليه، وكان كالوزير له، وله ديوان شعر مطبوع، ومن أشعاره التي توضح منهجه المتطرف قوله:
اِلعن أبا بكر الطاغي وثانيه
والثالث الرجسَ عثمان بن عفانا
ثلاثة لهمُ في النار منزلة
من تحت منزل فرعون وهامانا
يا ربّ فالعنهم والعن محبَّهم
ولا تقِم لهمُ في الخير ميزانا
تقدموا صنو خير الرسل واغتصبوا
ما أحل ابنته ظلماً وعدوانا
وقوله:
وأن كل الحق عند العترة الزكية
هم قادتي وسادتي واسوتي المرضية
أما سواهم فأبت نفسي الأبية
وقوله:
قل لمن قدم تيماً وعدي
من زنا أنت في معتقدي
عُد إلى تقديم صنو المصطفى
ولك الويلات إن لم تعدِ
وقوله:
وكل مصاب نال آل محمد
فليس سوى يوم السقيفة جالبه
بعد ثلاثة أيام من وفاة المُتوكل إسماعيل 8 جمادى الآخر 1087هـ، أعلن من الغراس أحمد بن الحسن بن القاسم نفسه إماماً، وتلقب بـ (المهدي)، وكان هذا الإمام جارودياً متعصباً، وفي عهده - كما أفاد المؤرخ يحيى بن الحسين - ارتفع شأن الشيعة، واستظل تحت حمايته من كان على شاكلته في الرفض؛ بل أنَّه ولشدة كرهه للصحابة أمر بكشط أسماء الخلفاء الراشدين من محراب الجامع الكبير بصنعاء.
ويروى أنَّه كتب ذات مرة لعمه المُتوكل إسماعيل من مدينة تعز مُعترضاً على إمامة فقهاء الشافعية في المساجد؛ كونهم حدَّ وصفه يُعلمون الناس عقائدهم الخبيثة، وأضاف في رسالته: «وأن عذر الأئمة من قبلك واضح لعدم تمكّن الوطأة، فما عذرك عند الله في السكوت عن ذلك، وقد تمكّنت الوطأة».
اليهود أيضاً لم يسلموا من أذية هذا الإمام، عمل على القضاء عليهم، بعد أن دخل في نقاشات حول ذلك مع فقهاء مذهبه، جنح غالبيتهم لرأيه المُجيز لنفيهم من البلاد الزيدية، وبالفعل نفاهم إلى موزع، بعد أن خرَّب دورهم، ونهب مُمتلكاتهم، وهدم كنيسهم، وابتنى مكانه مسجداً، وذلك بعد ثلاث سنوات من إمامته.
وأختم هذه التناولة بالتعريف بالمؤرخ يحيى بن الحسين، الذي لولاه ما وصلت مثالب أئمة عصره وغيرهم إلينا، هو: يحيى بن الحسين بن القاسم، مؤرخ، بحاثة، له نيف وأربعون كتاباً، منها (أنباء الزمن في تاريخ اليمن) جزآن، و(بهجة الزمن في حوادث اليمن) كالذيل للأول، و(العبر في أخبار من مضى وغبر)، و(المستجاد في بيان علماء الإجتهاد)، و(غاية الأماني في أخبار القطر اليماني) مجلدان.
قيل أنَّه لم يبايع عمه المُتوكل إسماعيل، وأنَّه اعترض عليه لأحكامه الجائرة على غير أهل مذهبه، وأنَّه كان يكتب له مشدداً الوعيد له في ذلك، جرت بينه وبين بعض علماء عصره منافرة كبيرة؛ لأنه كان كأبيه ميالاً للعمل بالكتاب وصحيح السنة النبوية، ولهذا فقد أهمل هؤلاء ذكره في مُصنفاتهم.
ومن مُؤلفاته التي توضح منهجه: (صوارم اليقين في الرد على القاضي سعدالدين)، ويعني به القاضي سعدالدين المسوري، وله رسالة أخرى بعنوان: (مزيل الخفى في تعظيم صحابة المصطفى)، وقال المُؤرخ جحاف عنه أنَّه عُرف بـ (السُني)، وكانت وفاته في العام 1099هـ، وذلك بعد سبع سنوات من وفاة الإمام أحمد بن الحسن.