لأن الأمر لا يحتاج بذل أي مجهود ولا يتطلب امتلاك أي إمكانات وإنما يخضع للحظ وللصدفة فكان من الممكن والمحتمل عندما خرجت إلى هذه الحياة أن أجد نفسي ابناً لإحدى الأسر الهاشمية التي تعتقد أن الله فضلها واختصها وميزها على سائر البشر، مثلما كان من الممكن والمحتمل أيضا أن أجد نفسي ابناً لإحدى الأسر التي تمتهن الجزارة أو الحلاقة أو غيرها من المهن وتصنف بالأسر قليلة الأصل وتعاني من الاحتقار والتمييز الاجتماعي الهابط.
فربما وجدت نفسي يوم ولادتي ابناً لأسرة من بيت المتوكل أو من بيت شرف الدين أو بيت حميد الدين.. أو لربما التصق الدين باسم أسرتي فوجدتتي من بيت مريط الدين!! حينها لن يكون ذنبي الذي أعاقب عليه أو إنجازي الذي أكافأ لأجله أنني ولدت هاشميا..
فما الذي كنت سأفعله لو قُدر لي ذلك وكنت هاشميا؟
لو كنت هاشميا فلن يكون من المحتم عليّ أن أكون شخصا عنصريا مؤمنا بالسلالية والحق الالهي أبحث عن شرف وهمي أتمسك به، فليس كل من ولد هاشميا يصبح بالضرورة شخصا عنصريا، إذ أن التربية والتنشئة الأسرية والمجتمعية هي من تغرس العنصرية والتمييز في عقلية الفرد وسلوكه وبالتالي فكان من الممكن أن أكون شخصا سويا عاقلا وعادلا مؤمنا بالمساواة التي تقتضيها العدالة الالهية، أرفض الفكر العنصري الذي يتنافى مع القيم الانسانية والمبادئ العقلية المنطقية ومتعارض تماما مع فكرة المواطنة المتساوية التي تعد القاعدة الأولى من قواعد بناء الدولة وسيادة القانون.
لن يكون من الصعب عليّ أن أنكر وأكفر بفكرة أن الله خلق البشر في هذا العالم صنفين لا ثالث لهما،
الصنف الأول هاشمي ميزهم الله على سائر خلقه، والصنف الثاني بشر عادي وهم بقية البشر على هذا الكوكب.
لو كنت هاشميا ونشأت في أسرة طبيعية تربي أبناؤها على القيم الإنسانية والدينية السليمة وتعلمت في إحدى المدارس التي كانت إحدى ثمار ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة التي نقلت اليمنيين جميعا من العصور الوسطى إلى العصر الحديث لكان من السهل جداً بل ومن البديهي أن أرفض الفكر العنصري السلالي الذي دمر اليمن ويدمر أي بلد يستشري فيها، ولن يتطلب الأمر الكثير من الجهد والعبقرية لأن أمقت تلك الافكار المتخلفة والمريضة التي انقرضت من العالم واختفت من حياة البشرية كمرض الجذام.
وحتى لو كنت نشأت في أسرة هاشمية تؤمن بالتمييز والعنصرية وغرست في أفكاري وسلوكياتي فكرة الاستعلاء والحق الإلهي فكان من الممكن التخلص من تلك الافكار العنصرية التي نشأت عليها بقليل من التعليم والقراءة والاطلاع على تاريخ اليمن وما ورد فيه مما لا يعد ولا يحصى من الجرائم البشعة التي ارتكبها الأئمة الهاشميون في اليمن والتي ارتكزت جميعها على فكرة عنصرية سلالية، وكانت العنصرية هي السبب الأول في استعباد وقتل وتجويع اليمنيين وتدمير حضارتهم وإعاقتهم عن النهوض واللّحاق بركب التقدم مثل بقية دول العالم، وبقليل من التأمل في حال المجتمعات البشرية إضافة إلى القليل من الثقافة والاطلاع على مبادئ علم الاجتماع وقراءة بعضٍ مما كتبه الدكتور حمود العودي والدكتور معتز سيد عبدالله وغيرهما كنت سأدرك ببساطة أن فكرة السلالة الواحدة النقية تعد خرافة وفكرة وهمية لا يمكن القبول بها إذ أنه من الصعب أن يستمر الحفاظ على سلالة نقية لمئات السنين، وكنت سأسأل نفسي سؤالا بسيطا وبديهيا:
لماذا سلالتنا فقط نحن الهاشميين أحفاد علي بن أبي طالب هي السلالة الوحيدة الباقية من ذلك العصر إلى الآن؟ وهل من المعقول والمنطقي أن يموت الرسول صلى الله عليه وسلم ويموت الصحابة جميعا والتابعون ويظل آل البيت هم وإبليس الرجيم من المنظرين إلى يوم الدين؟!
أين اختفت سلالة بقية صحابة رسول الله العضماء الفاتحين؟
أين هي سلالة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وسعد بن عبادة وخالد بن الوليد وغيرهم المئات والآلاف ممن عاصروا النبي وأنجبوا الكثير من الأبناء والأحفاد كما أنجب جدنا علي بن أبي طالب؟ أم أن جدّنا هو الوحيد الذي كان قادرا على الانجاب والتكاثر في ذلك الوقت؟
أين هم أحفاد عظماء اليمن ولماذا لم نسمع أحدا من اليمنيين يقول إنه من سلالة أسعد الكامل أو أنه أحق بحكم اليمن لأنه من سلالة الهميسع أو سيف بن ذي يزن؟
وحينما لن أجد أحدا يؤيد ويدافع عن الفكر السلالي سأقتنع بما تؤكده قواميس المنطق وقوانين التكاثر والتناسل وحقائق علم الاجتماع والتي تجمع أن فكر السلالة النقية إنما هو وهم وخرافة، وأن السلالة الهاشمية ليست سلالة يجمعها الدم والنسب بقدر ماهي سلالة تجمعها الفكرة العنصرية والمصلحة الانتهازية.
لو كنت هاشميا فأول ما سافعله هو التبرؤ من هذه السلالة الخبيثة التي لا يشرف أحدا أن ينتمي إليها بعدما عرف وسمع وقرأ عن حجم وهول الجرائم التي ارتكبتها هذه السلالة الدموية بفكرها العنصري المقيت باليمن واليمنيين طوال القرون الماضية، وما زالت مستمرة في جرمها حتى اليوم، وسأقول وبأعلى صوتي أنا فلان المتوكل أو فلان الشامي لست هاشميا ولاعلاقة لي بالهاشمية حتى لو كان والدي وجميع أقاربي يدّعون أنهم هاشميون فلا يشرفني الانتساب إلى فكرة عنصرية وخرافة وهمية، ويكفيني فخرا وشرفا أن أكون مواطنا يمنيا مثل بقية اليمنيين، وسيظل اسمي فلان ابن فلان المتوكل أو الشامي رغما عن الجميع، ولأنه لايمكن لأحد أن يقول أنا نازي لكني لست عنصريا أيضا لا يمكن لأحد أن يقول أنا هاشمي لكني لست عنصريا فسيكون من الواجب على كل من يريد الانضمام إلى صفوف الأحرار في مواجهة ومحاربة العنصرية أن لا يستغفل العقول بترديد عبارة كهذه أبدا.
سأقول للجميع أنه ليس كل من ولد ليجد نفسه ابناً لإحدى تلك الأسر المسماة هاشمية هو شخصا عنصريا بالوراثة لأن العنصرية مرض مكتسب وليست مرضا وراثيا. وسأبحث عن اولئك الذين تبرأوا من الهاشمية مثلي وأجمع من استطعت منهم وتحت شعار (يمنيون لا هاشميون) سأعمل معهم بكل ما أوتيت من قوة على محاربة العنصرية والتمييز بمختلف صوره وأشكاله المقيتة ابتداء بالتمييز الاجتماعي والتقسيم الطبقي واحتقار المهن، والتمييز ضد الاطفال والمعاقين والمرأة والمهمشين وغيرهم، وسأكرس ما تبقى من حياتي للدفاع عن مبدأ المساواة والمواطنة المتساوية ونبذ التعصب والتمييز بمختلف صوره وأشكاله.
لن أدعي مناصرتي لحقوق الإنسان والمساواة ومعارضتي للعنصرية والتمييز ورفضي للأفكار والممارسات التي تتبناها الحركة الحوثية ثم أقف أتفرج بصمت أتقمص دور الحياد وأنا أراقب نضال اليمنيين للتخلص من العنصرية السلالية وأكتفي بالتعليق والنقد لما يقوله ويفعله اليمنيون في حديثهم وكتاباتهم احتجاجا ورفضا للعنصرية والسلالية كما يفعل معظم الهاشميين.
لن أقف بصمتي المحرج شوكة في حلوق اليمنيين وهم يدافعون عن ذاتهم وهويتهم وكراماتهم أفرح وامتدح مايعجبني من إنصاف وصواب بعضهم، وأستاء وأنزعج وأنتقد وأتحسس مما لا يعجبني من أفكارهم وكتاباتهم واصفاً إياه بأنه فكر متطرف وتعميم مجحف وعنصرية مضادة.
لن أردد تلك العبارة التي يرددها غيري من الهاشميين (مش كلهم) للوقوف أمام أي رأي يحاول توضيح خطر الفكرة الهاشمية وعنصريتها لكني سأرفع صوتي عالياً وأنا أتبرأ من الهاشمية وجرائمها وساسعى لتصدر المشهد وتوسيع دائرة التأثير، سأسعى لتأسيس منظمة أو مركز دراسات لمناهضة ومحاربة العنصرية والتمييز.
سأنافس مركز نشوان الحميري في تصديه للعنصرية وسأتعلم من عادل الأحمدي، وأستفيد مما يكتب همدان العليي وغائب حواس وسأنتج دراسات تضاهي دراساتهم ومؤلفاتهم، وسأبحث عن من يشابه عبدالله اسماعيل ومحمد الأضرعي ومحمد الربع وأدعم برامجهم، وسأجمع نخبة من المفكرين والباحثين من أساتذة علم الاجتماع والسياسة والتاريخ لدراسة وتشخيص جذور الفكر السلالي العنصري وتقسيم المجتمع إلى طبقات وتفصيل أسبابه، وعوامل انتشاره وبقائه واستمراره وتعرية أساليبه وألاعيبه والخروج بمعالجات وحلول واقعية كفيلة باجتثاث هذا الوباء الفتاك والقضاء عليه للأبد.
ولن أكتفي بذلك بل سأبحث عن أفضل أطباء وأساتذة علم النفس وأجعلهم يدرسون الشخصية العنصرية، ويحللون النفسية الشاذة المريضة للشخص العنصري سواء كان الشذوذ الفوقي لمن يعتقد أنه أفضل من سائر البشر ويسعى لممارسة شذوذه مع أشخاص يقرّون له بأنه أفضل منهم بل وسيدا عليهم أو الشذوذ الدوني لمن يعتقد أن هناك أشخاصا خلقوا أفضل منه، ويسعى لممارسة شذوذه النفسي الدوني معهم ويشعر بالارتياح والسعادة عند قيامه بدوره في تلك العملية التي تناقض وتخالف الفطرة البشرية، ذلك الشذوذ النفسي الذي يتباهى ويجاهر بممارسته علنا كلا الطرفين الفوقي والدوني في حين أنه يشابه إلى حد بعيد شذوذا آخر جسديا تعرفه وتنبذه كل المجتمعات وترفضه وتشمئز منه الغريزة الإنسانية السوية في مختلف أنحاء العالم..
سأعمل جاهدا مع العلماء والاطباء النفسيين لإقامة دورات إعادة تأهيل لأي شخص يريد التبرؤ من الهاشمية ويعود إلى إنسانيته ويتخلص من الشوائب النفسية التي خلفتها تنشئته الأسرية في أحضان الفكر الهاشميي العنصري.
لو كنت هاشميا لوقفت ضد العنصرية وحاربتها وأشدت بالقومية اليمنية وحراك الأقيال وشاركتهم اعتزازهم باليمن وحضارته وتاريخه وهويته، سأحاول الاقتراب منهم ومناقشتهم لأصبح واحدا منهم وسأقنعهم أني يمني مثلهم أشاركهم عداءهم للعنصرية وأن معظم البشر في المجتمع البشري يشاركوننا في عدائنا لوباء العنصرية الخبيث الذي عانت منه بعض الامم والشعوب طويلا حتى تمكنت من التخلص منه أو على الأقل تجريمه في قوانينها ودساتيرها، والبشرية في طريقها للتخلص من البقية المتبقية من هذا الوباء الذي يحاول استعادة دورة حياته الخبيثة في بلادنا بتلويث بيئتنا وخلق مناخ يساعده على العيش والتكاثر في وطننا بأساليبه القذرة ومنهجه الخبيث الذي يعمل على نشر الحروب والدمار والجهل والفقر والخرافة.
ولذلك فإننا يجب أن نوجه جهودنا لمحاربة المرض واجتثاثه وليس لمحاربة المريض أو محاولة القضاء عليه، بل علينا علاج كل مريض بالعنصرية ومنعه من الإضرار بنفسه ونشر المرض لغيره بكل الطرق المتاحه وإن تطلب الأمر إجبار المريض على العلاج رغما عنه، ومعاقبة كل مصاب بوباء العنصرية ينكر أن العنصرية وباء ويسعى لنشر الوباء في المجتمع ليصيب غيره، لذا يجب تجرم اي عمل يساعد على انتشار هذا الوباء أو يعيق معالجة المصابين به سواء سعوا إلى نشر الوباء بطرق مباشرة وعلنية أو حتى بطرق غير مباشره وسرية، وحتى التستر على شخص مصاب بوباء العنصرية يعد جريمة يعاقب عليها، وهذه القوانين يجب أن تطبق على من يمارس أو يروج لأي شكل من أشكال العنصرية وليس فقط العنصرية الهاشمية.
لن ألوم اليمنيون الذين أوجعتهم وذبحتهم العنصرية ولكن من الضروري أن يقتنعوا أني يمني من رأسي إلى أخمص قدمي ولا يهم من أين ومتى أتى جدي الأول ولن أقبل أن ينعتني أحد بأني هاشمي وسأعتبرها لعنة تستحق أن أتهم من يصفني بها بأنه عنصري بل إني سوف أقاضيه أمام المحاكم والقضاء إن لزم الأمر لأنه لا يحق لأحد أن ينتقص من يمنيتي وانتمائي لليمن لا أنا ولا غيري ممن كان أجداهم أتراكاً أو أحباشاً أو هنوداً أو من أي مكان في العالم. ويستحق من يقوم بذلك بإنزال عقوبة قانونية عليه، فكل اليمنيين سواء بلا تمييز ولا تفضيل سواء من كان جده هنديّاً قدم إلى اليمن قبل ثلاثمائة سنة أو تركيّاً عاش في اليمن قبل مائة عام أو أفريقيّاً حصل على الجنسية اليمنية قبل عشرة أعوام.
حينها ربما يزول بعض من استغراب اليمنيين وامتعاضهم من صمت الهاشميين، وتساؤلهم المستمر لماذا لا يوجد هاشمي واحد يناهض ويواجه العنصرية الهاشمية بقوة واستمرار كما يناهضها ويواجهها بلال الطيب وأروى الخطابي وحارث الشوكاني ولمياء الكندي وعمار التام وغيرهم الكثير من الأصوات القوية التي لم ولن تكل أو تمل حتى يتخلص اليمن واليمنيون من هذا الوباء الفتاك.
لو كنت هاشميا لرسمت خط سير لأولئك الذين قدر الله لهم أن يتتموا لوهم الهاشمية لقبا ويتبرأون منها فكرا وممارسة، لنعمل معا على محاربة ومواجهة والفكر العنصري السلالي دون خوف من أن نُتهم أننا نكره الهاشميين لأن محاربة العنصرية السلالية الهاشمية ليست عنصرية مضادة ولا تنم عن عقدة نقص أو كراهية كما يحلو للبعض اتهام أولئك اليمنيين الأحرار الذين يناهضون الفكرة السلالية الهاشمية العنصرية.
أخيرا.. لو كنت هاشميا مصابا بوباء العنصرية لبذلت كل جهدي للشفاء من هذا الوباء ولو لم أستطع ذلك وظل اعتقادي راسخا أن الله خالق هذا الكون الفسيح فضلني وميزني على جميع خلقه لأني هاشمي فلن أسعد كثيرا بهذا التمييز الإلهي الذي اختار أن يضعني في هذا البلد النامي المسمى اليمن الذي يعاني من الحروب والدمار! فما هي الحكمة أن يميزك الله مالك وخالق هذا الكون الفسيح الملييء بملايين المجرات والكواكب ويفضلك على سائر البشر ثم يختار لك أن تعيش في هذا البلد مع أفقر وأكدح شعوب العالم في الوقت الذي يقتضي تمييزه لك أن يختار لك مجتمعا ينعم بالرفاهية والتقدم أو لربما كان من الأفضل أن يخصص لنا نحن الهاشميين وطنا خاصا بنا كما خص اليهود بذلك، بل إننا نستحق أن يخصص لنا كوكبا واحدا من تلك الملايين من الكواكب التي تعج بها السماء لنعيش فيه بعيدا عن اليمنيين الذين يرفضون قبول تميّزنا عليهم فربما كان ذلك الحل أفضل لنا ولهم.