بما كان يشبه وقع الثلج على قلبٍ يحترق عشقاً، وشمساً دافئة في صقيع الشتاء كانت تباغتني موسيقاه، وتمطرني أغانيه بنشوات لا تطاق.
ذلك هو أبو بكر سالم بلفقيه الشاعر والملحن والمطرب ذو الصوت المتعدد الطبقات والمتنوع المواهب، وصاحب أغزر إنتاج غنائي، رافق العديد من الأجيال في مقايلهم وأسمارهم وأسفارهم وقصص عشقهم وأحلام أيامهم.-
وزع نشاطه في سياقات ثلاثة، الأول للإبحار في عروض الشعر وأوزانه وقوافيه وتفعيلاته، متأثرا هنا بتجربة صديقة ورفيق عمره الشاعر حسين ابو بكر المحضار، وبالفعل فقد كتب ابو بكر مجموعة من القصائد الغنائية التي تحمل لحنها في طياتها كما لو أنه كتبها للحن ولم يبتكر اللحن للقصيدة، أما الثاني فهو الاستغراق في الموسيقى واصطياد أعذب الألحان وأصعبها لأغانيه العديدة من (شلنا يابو جناحين) إلى (تتعب) و (يا شمس الضحية) وغيرها الكثير، وهو الذي كان يقوم بنفسه بتوزيعها موسيقياً على النوته وتدريب عازفيه عليها، أما الثالث فهو لتجويد الأداء وتنويعه لدرجة تشعر معها أنه يؤدي أكثر من أغنية في اغنية واحدة.
كم تمنيت لو انني أستطيع إنجاز فيلم وثائقي عنه لجعل سيرته الفنية قصة تروى للأجيال، وقد استعنت هنا بصديقه الشاعر بدر بن عقيل لاقناعه، كما أمدني بهواتف أبنائه أصيل وأحمد للاستعانة بهما.. قبِل الرجل في البداية بالفكرة، لكنه عاد واشترط وضع مبلغ مالي في جيبه مقابل إعطائي مقابلة مطولة معه، ومع أنني لم أكن أمثل شركة للانتاج الفني إلا انني قمت بتوفير المبلغ، واتفقنا على اللقاء في دبي لإكمال العمل، وأخيراً قال لي "إسمع يابو عمر، والله ما فيني حيل من تحرك هذه الأيام".
لكن أبا أصيل حبذ في الواقع الانصراف إلى حفلاته وأنشطته الأخرى التي تدر عليه مداخيل أكبر من المبلغ الذي عرضته عليه.
لم نتفق على تسوية، لكن مخرج الفيلم المفترض إقترح أن يقوم (دوبلير) بدور أبي بكر.. وعندما عرضت الفكرة على أبي أصيل رفضها بشدة!
كما ساهمت حالته الصحية على ما يبدو في جعل الأمر أكثر صعوبة، وربما اعتبر أن موروثه الكبير والثري من الأغاني كاف لتقديمه للجمهور أكثر من مجرد فيلم وثائقي قصير.
رغم نجوميته المبهرة في الخليج وارتدائه الغترة والعقال كان أبو بكر (يمنياً) حتى النخاع، لا يختلف عن (الماس والمرشدي والآنسي والقمندان) ويكفي للتأكد من ذلك التأمل في أدائه لروائعه التراثية اليمنية لتعطينا 90% من الجواب (أمي اليمن) و (ياظبي صنعاء) و (يامغرد بوادي الدور) وغيرها!
*من صفحة الكاتب بفيسبوك.