يتشابه تماماً الشهداء والأبطال في معركة الدفاع عن الكرامة الإنسانية. لا فرق -من منظوري الشخصي- بين أكبر قائد عسكري شهيد وأصغر جندي بذل روحه في سبيل القضية ذاتها. فالقائد لم يضحِّ سوى بروح واحدة، لا أكثر ولا أطول من روح الجندي الشهيد، وكلاهما واحد.
ثمة اختلاف في فعل البطولة وليس في شخصية البطل بين شهيد وآخر، وعادة ما يقاس الفارق بين بطولة وبطولة من حيث مستويات الأثر والنتيجة، لا في الدور والفعل.
وإذا ما أردنا أن نتأكد لماذا عبدالغني شعلان نسيج وحده من بطولة مختلفة وفارقة عن كل الأبطال الذين ربما كانوا أعلى رتبة عسكرية وعمرا، فعلينا أولا أن نتتبع دوره البطولي من أثره المستقبلي، وسيرورته المستديمة سرمدا في حركة المجتمع والأحداث المستمرة. وبمعنى أوضح أن نتذكر ما حدث قبل أيام قليلة في مأرب، وعلى بعد أقل من أسبوع لحلول الذكرى الأولى للشهيد. استيقظت الخلايا النائمة لتموت.
ولا أحبذ "الذكرى" توصيفا لغويا للمناسبة، فهي تحيل دلاليا إلى حدث ماضوي، وما لم يعد له حيز وجودي حي في الحياة. فعبدالغني شعلان موجود اليوم وغداً وبعد الغد وإلى مساء الأبد، موجود حقيقيا لا طيفا لشخص مضى، ولا ذكرى إنسان.
إنه بطل إنساني ديناميكي، يعيش في المستقبل دائما، وبأكثر مما كان عليه سابقا من بهاء وفاعلية.. إذ ليس هو بطلا تاريخيا وإن كان كذلك في جزئية من إنسانيته الشاملة، فالتاريخ هو ما حدث وليس ما سيحدث، كما أنه يوثق أي حدث في حيزه الزمني الخاص والضيق.
ومن الغبن اعتبار شعلان شخصية محدودة بزمن متعين ومغلق، لينتهى دورها عند آخر نقطة لسيرة البطل في ويكيبيديا ومكتبة التاريخ.. لا، عبدالغني شعلان بطل إنساني كاملاً وشاملاً وكلانياً منتمٍ للأبد المتأبد، للمستقبل القادم والزمن الذي يتحرك بعد "سوف" والفعل المضارع.
إنه المخلص الأسطوري الخالد أبداً، الذي لا يؤول إلى رماد وذكرى. فمازال جيله المستنسخ من روحه الفدائي وأصالته اليمنية الفذة يؤدون له التحية العسكرية يوميا كل صباح في طابور قوات الأمن الخاصة.
وإذا رأيت ثم رأيت سليم السياغي وقوات الأمن الخاصة قلت يخلق الله من شبه شعلان أربعة وأربعين ألفا، لكن شعلان لا يشبه أحدا.
قبل أربعة أيام كان أبو محمد 2022 يصافح مبتسما دفعة من جيله الشعلاني تخرجوا بأحزمة الرياضة القتالية.. لقد أنجز شعلان منظومة أمنية متكاملة سيرفع لها التاريخ قبعته كل صباح حتى ينسى رأسه.
كونغ فو وكاراتيه ومحاربو الساموراي، غواصون يرددون النشيد الوطني تحت الماء ويعودون من قاع السد العظيم بقطرات من مطر قديم همى من سحابة في القرن العاشر قبل الميلاد ومازالت صالحة للشرب. إنهم يحرسون الماء والتراب.
كم عدد الخلايا الحوثية النائمة في مأرب التي وقعت عليها عين الصقر قبل أن تستيقظ، كم؟!
وأيم والله!، لو أن عشراً فقط استيقظت، قبل عين النسر السبئي لكان حقل صافر الآن يصب في بطن عبد الملك الحوثي ولكانت مأرب أطلالا على طلل، لا أحد فيها ليبكيها إلا ما خطه امرؤ القيس بقدميه الضلّيلتين على رملة السبعتين والربع الخالي.
كانت مليشيا الحوثي تملك كل شيء، كل شيء! المال والسلاح والدهاء والخبث العريق.. خبراء التجسس الإلكتروني من الحرس الثوري الإيراني والخريجين الأوائل من أكاديمية الموساد السرية.. شبكات الاتصالات والانترنت، عامة وخاصة، متخصصي الأمن السيبراني، ولا يجري أي اتصال هاتفي أو رسالة لا سلكية، رسمية وشعبية، عسكرية ومدنية، في مناطق الشرعية إلا من تحت صناجة أذنها.
تملك أيضا أكبر شبكة من العملاء السفليين في شبكات الاتجار المظلم والإرهاب المنظم والطابور الخامس المندسين داخل مأرب ومراكز الشرعية السيادية.. عدد خلاياها النائمة في مأرب أكثر بكثير من عدد مقاتليها القتلى في جبهات المحافظة.. وكانت قبضة شعلان أكبر من أي جناح أسطوري في الميثولوجيا الشعبية.
كانت تملك كل شيء مليشيا الحوثي، وأمام شعلان لا تملك شيئا.. لا شيء.
لو أن جيل عبدالغني شعلان أخرج بالطوهات الخلايا النسائية التي تم ضبطها قبل أن تحيض جريمة حوثية لأدلهمّ نهار المدينة من طفرة سوادها.
كل الضربات التي من قبضة شعلان كانت استباقية وقاصمة. ليس بعدها إلا العمى العظيم في أعين الحوثيين.
أو ليس شعلان بطل المستقبل؟! المنقذ الحضاري الخالد الذي لم يغمد بعد مهنده اليماني الصقيل، و مازال يهبط بذراعه المجنحة على رؤوس الخلايا من حيث لا تحتسب..
أو ليست الحضارة هي البطل. أو ليس البطل هو شعلان.. ومهما كان أمد الحوثيين، لن يكون ثمة شخص يرعبهم أكثر من عبدالغني شعلان. يكفي اسمه ليرتعش كل الأوغاد. يكفي اسمه لنمسك بشفرة القوة.. ش ع ل ا ن.