تحتار العائلات في إختيار الإسم المناسب لمواليدها إعتقاداً منها أن الإسم هو الخيط الذي يربط الشخص بسلالته، أو أن لكل امرءٍ على الأقل من إسمه نصيب!
الإسم أحياناً عبءٌ ثقيل تضعه العائلات على عقول وأكتاف وضمائر أبنائها دون أن يكون لهم خيار في ذلك!
كثيرون منا حملوا على كاهلهم مسؤولية أنهم أبناء هذه السلالات أو العشائر أو البيوت، وأنه يجب عليهم الحفاظ على إرثها سواء من المال أو الفكر والمكانة الاجتماعية.
وطالما سألت نفسي لماذا يتوجب على أحدٍ منا المحافظة على إرث أناسٍ شبعوا موتاً ولا يعيش في حياته حياتهم في عالمٍ بات شديد الاختلاف والتغير ؟
في مثال مقابل.. عاش الشاعر والروائي اليوناني (نيكوس كازنتزاكيس) نفس المحنة عندما ذهب به والده في أول يوم إلى المدرسة قائلاً له كما ذكر في روايته الشهيرة "الطريق إلى جريكو "هنا ينبغي عليك أن "تحمل على كاهلك منذ الآن مسؤولية الدفاع عن اليونان في مواجهة تركيا".
كم هو محزن أن لا تعيش حياتك ومستجدات ومصالح وسياسات زمنك، ولا تتفاعل مع إنجازات عصرك في ميادين العلم والفكر كما يجب، وتظل تعيش حياتك هذه حارساً لمجد جدٍ لم يعد له في الوجود وجود، مثلما يحاول البعض اليوم أن يعيش بروح أجداد مفترضين نخر الدود أجسادهم وعقولهم، ومسخ الزمن ومزورو التاريخ أفكارهم ومعتقداتهم!
تعيش الأمم اليوم بالتجديد والتحديث، لا بالتمسك بالأحساب والأنساب، وبما أكل الدهر عليها وشرب من الأساطير والخرافات، عالم اليوم المتقدم لم يتطور بالكهانات، بل بقتل الأب بالمعنى (المجازي) أي التخلص من ديكتاتورية الذاكرة ونقد التراث وتنقيته مما علق به من شوائب.
نعيش اليوم في الألفية الثالثة من التاريخ، عصر ما بعد المعلوماتية والانترنت، في عالم المعرفة الرقمية حيث التنافس الإقتصادي محموم بين كبريات القوى العالمية على الأسواق والمواد الخام والمياه والاكتشافات العلمية والابتكارات الجديدة في كل المجالات التي تخدم الحياة وتطور التجربة الإنسانية.
صحيح أن الحفاظ على تراث الماضي مهم من الناحية العلمية لدراسة مراحل التطور البشري، أما مسألة أن من لا ماضي له لا مستقبله فكلام فيه نظر، إذ أن أكثر الأمم المتخلفة والضعيفة اليوم هي من إتكأت على ما ضيها واكتفت بالتغني به دون دراسة وتمحيص، ودون استخلاص للدروس والعبر بما يدفعها للسير قُدماً نحو المستقبل، دون تكرار أخطاء الماضي والوقوع ثانية في عثراته.
لم يعد أحد يعتمد في هذا العصر على من كانت سلالته أو جده أو شيخه بل من أصبح هو نفسه، ما هو اقتصاده، ما هو مستوى منظومة الخدمات الأساسية التي وفرها لشعبه ووطنه!
الخروج من عباءة الإسم واللقب أمرٌ مهمٌٌ، واليقظة ضرورية لتعويض الفارق في التقدم مع العالم المتطور، إن كانت لا تزال هناك بقيةٌ من إمكانيةٍ لتجنب الزوال والإنقراض!