في الوقت الراهن، وأمام التحديات المتعددة والكبيرة التي تواجهها المناطق المحررة، وخصوصا محافظتي مأرب وشبوة، ليس هناك خيارات متعددة أمام الجيش الوطني والمقاومة الشعبية سوى الصمود، حتى يمكن كسر العدو والخروج من المحنة.
وفي جميع الأحوال، سيبقى ثمن النكوص، بعكس ما يعتقد دعاته، أعلى بكثير من كلفة المقاومة والصمود. لكن في الوقت نفسه، فإن الصمود أصبح أشبه بالكارثة، في ظل الاستراتيجية الحالية التي يتبعها الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، والتي حكمت عليه بالتقوقع والجمود والتشتت، وتركت للعدو الحوثي حرية الحركة الكاملة.
إن العمليات العسكرية المتقطعة التي يقوم بها الجيش الوطني والمقاومة الشعبية وطول بقائه في المواقع الثابتة بانتظار هجومات الحوثي المتكررة عليهم، أفقد الجيش مكانته الوطنية وقدرته لدى الجماهير اليمنية على حسم المعركة أو بأن يكون بديلا للمليشيات التي تأسست خلال السنوات الماضية. كما أدى الى تراجعه وانسحابه المضطرد من مختلف جبهات القتال، ويزيد كل يوم من استمرار تراجعه وتضييق الخناق عليه حتى أصبح شبه محاصر.
ومهما أظهر مقاتلو الجيش أو رجال المقاومة الشعبية من شجاعة واستبسال ومن استعداد للشهادة وإرادة لا تتزعزع في النصر، لن يكون هناك قيمة عملية لصمودهم في مواقع ثابتة، طالما لم يعد لتضحياتهم التي يقدمونها أي عائد مباشر على عملية حسم المعركة العسكرية. ومهما أظهرت المقاومة من بسالة، لا يمكنها أن تستمر الى ما لا نهاية في صد هجومات متكررة بقوات أكثر منها عدة وعتاد، من دون أن تتعرض، مع الوقت، للاستنزاف النفسي والعسكري، وتجبر في مرحلة لاحقة على الانسحاب واخلاء مواقعها. والنتيحة تضحيات باهظة وعوئد قليلة ان لم تكن معدومة.
● ما الحل؟
وبطبيعة الحال، ليس هناك أي قيمة للصمود إلا بمقدار ما يسهم في تقديم فرص أكبر لتغيير ميزان القوى، وشل قدرات العدو، بتكبيده خسائر مستمرة، حتى لو كانت جزئية، تحرمه من الاستقرار وتضرب معنويات جنوده، وتزعزع حساباته، إلى أن يقتنع بأن القضاء على الجيش الوطني والمقاومة الشعبية أصبح مستحيلت بمعركة فاصلة أو أكثر.
ولذلك ما تحتاجه اليوم المعركة ضد الحوثي وتمديد أجل الصمود الى:
▪أولا: حل مشكلة القيادة السياسية والعسكرية الحالية، وبناء خلية عمل وطنية واحدة، تدرس ميزان القوى، ولديها القدرة على رسم خطط موحدة أو مشتركة، لإخراج قوات الجيش والمقاومة من مواقع الدفاع الساكن التي تحاصر فيها نفسها بنفسها. وإلى برنامج عمل واضح يعيد تعبئة قطاعات أوسع من الجماهير اليمنية، ويدفعها الى المشاركة في تحقيق الأهداف الوطنية في الداخل والخارج، كما يستدعي تغيير نمط علاقات التبعية والالتحاق والتي عطلت التفاعل مع المجتمع الدولي، وجميع الدول الداعمة والمناوئة معا.
▪ثانيا: تغير جذري في الاستراتيجية الحالية، من خلالها تستخدم القوى الحية المتوفرة بعقلانية أكثر، لتحقيق أهداف سياسية، تزيد من قوة موقف القوات الشرعية وفرصها. وتبني تكتيكات تتبع من جهة منطق حرب العصابات، ولو على نطاق محدود، واستمرار المواجهات النظامية المباشرة من جهة أخرى. ولذلك ارتبط الصمود بتكوين مقاومة تعتمد على قوى خفيفة ومتحركة، تصعب هزيمتها أو القضاء عليها، مهما كان حجم الإصابات الفردية التي تتكبدها، هذه الاستراتيجية التي يمكن الاعتماد عليها لمواجهة قوة عسكرية كبرى منظمة بقوى شعبية بسيطة، لا توازيها في العدة والعتاد.
وختاما لا ينبغي أن نأمل بتوقف العدو الحوثي بهجماته المتكررة وسيطرة على مزيد من المناطق، ما لم نعمل على إنهاكه وإشعاره بأنه لن يتمكن من الوصول إلى أهدافه بالقوة العسكرية. ولن يتراجع الحوثي والأطراف الإقليمية الداعمة له، عن هدفهم في القضاء على الجيش الوطني والقوى الوطنية، ومن ورائه وحدة الشعب اليمني، واليمن نفسها إذا استدعى الأمر. وفي الوقت نفسه، لا ينبغي علينا أن يدفعنا الضعف العسكري والعجز عن تحقيق حسم عسكري، الى الاستسلام وفقدان الأمل في قدرتنا بوسائل وامكانيات محدودة على دفع العدو الكهنوتي الحوثي وقوى الاحتلال التي تقف خلفه الى اليأس من تحقيق نصر حاسم. بالعكس، لا تزال لدينا فرص قوية لهزيمة العدو وتحقيق التطلعات المحقة والمشروعة لليمنيين، إذا أحسنا استخدامها، وعرفنا عناصر قوتنا الذاتية وعناصر ضعف الكهنوت الحوثي.