(محمد حمود)هكذا كان اسمُه، لكن أوتار عوده كانت تكاد تنطقْ بكل لغات الوجود.
إذ يغني، يفهم الطير ألحانه، والماء يكاد يدرك أشجانه، والضوء،والظل، وحزن البلاد، هو الحب، ذاك الذي كان
(محمد حمود) في الجوهر أكثر قبل المظهر!
غنّى الحارثي بكل الحواس، ذائباً بصوته العذب في معنى ما يغني، ومتلاشياً في ترانيم عوده حتى الغياب.. أخلص لإتقان الفن، مكرساً كل حياته لأن يجعل من الغناء ليس مجرد تعبيرٍ عن عاطفةٍ فحسب، بل منهج لتهذيب (النزعات) غير السوية لدى الإنسان.
هذا (محمد) صاحب (الشوق أعياني ) و(عليك سموني وسمسموني) وكذلك (رد السلام.. رد السلام واجب) وأيضاً (حُميّمة) وغيرها.
نشأ الحارثي في كوكبان شمال اليمن، محباً للغناء منذ طفولته في بيئة محافظة تعتبر الغناء شراً مستطيراً، لكنه أصر في بواكير عمره على وضع أوتارٍ على صفيحة، والاستمرار في (الدندنة) حتى بلغ مرحلة الاحتراف في العزف على آلة العود.
له بعد ثورة سبتمبر 1962 وطنيات خالدات (هذه أرضي وهذا وطني) و (سحقنا الطغاة) وغيرها، لكن الأجمل منها كان ما تغنى فيها بالأرض كفنان قادم من خلفية زراعية حيث أجاد ربط الفلاحين بالأرض من خلال أدائه الرائع لكثير من الأهازيج الشعبية المرتبطة بمواسم بذر الحقول، والمطر، وحصد المحاصيل (يا فرحتي للرعية) و ( ما أجمل الصبح) وغير ذلك.
أتى الحارثي دارس اللغة العربية وفقه الشريعة الإسلامية في موضوعات أغنياته على كل شيئٍّ جميل، مرَّ بكل حميمٍ مما يتصل بصميم قضايا الإنسان، وكان المتواضع القريب من كل الفقراء من الناس.
في كل المناسبات التي جمعتني به لم أكد أصدق أن فناناً عظيماً بهذا القدر بسيطاً ومتواضعاً إلى هذه الدرجة، ولا تخالطه ذرة من غرور، أو اعتداد مبالغ فيه بإسمه الكبير أو بتجربته الغنائية المتميزة كالذي نلاحظه اليوم على صغار المطربين والمتطفلين على فن الغناء.
(محمد حمود) با ختصار هو صوت الحياة، والحب، نبل الأماني، بيوم جميل، بأرضٍ ولادةٍ خالدة!