ربما لم يمنحنا سبتمبر شيئاً، على صعيد المكاسب المادية؛ لكنه منحنا "الحرية"، وأعاد إلينا معنى الانسان، قبل سبتمبر لم نكنْ مواطنين حقيقيين، كنّا رعايا للحاكم المقدس، بعضَ ممتلكاته الخاصة وأشيائه الرخيصة، كنّا مجرد كائنات تافهة تدور في فلكه، وبشرًا معذبين، خافضي الرؤوس ومنقوصي الكرامة ولا نملكُ من أمرنا شيئاً.
كنا أدوات زهيدة يحرثُ بها السلطان الأرض وتمنحه الثمرة جاهزة إلى فمه، كنا عبيدًا متعبين، يُطلق سراحها صباحاً فتذهب لتجلب له الماء والطعام ثمّ يضع القيد على معصمها ليلاً كي لا تفرّ، هكذا باختصار كان اليمني قبل 26 سبتمبر..
ثّم جاء صباح سبتمبر؛ كلحظة فارقة في التاريخ ووضع حدّ لتلك المهزلة الممتدة منذ عشرات القرون، خرج الثوار عراة كيوم المحشر، هدموا قصر الطاغوت وقدحوا شرارة "الحرية".
والحريةُ هي تلك القيمة الوجودية المقدسة، وما بدونها لا يكون الإنسان إنسانًا، لا يمكن للشعوب أن تقف على ساقيها ويقرر الفرد فيها مصيره كإنسان مطلق الحرية والإرادة، دون هذه القيمة التأسيسية الأولى.
هذا ما منحنا إياه سبتمبر، الحرية، كمكسب أصيل ولا شيء سواه يستحقُ أن نسكب له دمنا بسخاء؛ كي نحرسه من الذبول.
سبتمبرُ يا أحفاد الولاية، سبتمبرُ فقط، حكايتنا الأصيلة، نقطة البدء، مصدر تشريعنا الوطني، إنها سندنا الموثوق بلا شهود ولا مرويات، ومجدنا الذي لا يمكن التشكيك به.
سبتمبر هو قصة بطولتنا المحروسة من اللغط، وآيتنا الوحيدة التي ما مسها مشعوذ قط، هي النص التأسيسي لميلاد المواطن الحديث، دستورنا الذي كتبه الأجداد بالعرَق، ولسوف نحرس قداسته حتى الأبد.
قمت بتغيير الصورة بمناسبة عيدنا الكبير، وسبتمبر هو شهر تحطيم للأصنام، تحرير للذات والوجود، من كل اليوم القيود والأوثان.