عند البداية في استعادة الذاكرة لمراحل زحف الحوثيين صوب العاصمة صنعاء تنتابني حالة من الغضب الداخلي تجاه الجميع كيف تحولنا إلى أدوات سهلت للحوثيين المضي قدما في مشروعهم بداية من المواطن العادي مرورا بأعلى قيادات الدولة ورئيسها الهادئ جدا لحد الجبن والمراوغة.
عند الكتابة عن محاولات الحوثيين اقتحام مدينة عمران بوابتهم المباشرة صوب صنعاء تستحضرني تلك البطولات التي قدمها حراس الجمهورية في معسكر عمران اللواء 310، ومحاولات الحوثيين إسقاط المعسكر وقائده القشيبي تحت ضربات اعتدائهم التي لم تنتهِ ولم تلتفت إلى انكساراتها المتوالية أمام صمود لواء القشيبي ورجال وحراس الجمهورية المدافعين عن مدينتهم وجمهوريتهم.
ما زلت أشعر وأنا في موقعي هذا اليوم بوجع الطعنات التي تلقاها القشيبي ومعه جميع الأفراد المدافعين ومازالت أتذكر تلك العروض التي اختصرت المعركة وحقيقتها كأنها معركة القشيبي.. فقدموا له عروضا من أجل التنحي أو بالأصح الاستسلام والضغط عليه من أجل التسليم.
كان الجميع بما فيها الدولة وأغلبية الأحزاب السياسية قد سلمت عمران ومعسكرها للحوثيين قبل أن ينهي القشيبي مهمته ويختار لنفسه شرف الشهادة.
لقد اخطأ الجميع عندما ربطوا اسم القشيبي وموقفه باسم حزب الإصلاح وتصوير حرب عمران على أنها حرب الإصلاح والإصلاحيين وربما رأت العديدون أن لتلك الحرب فائدة يمكن أن نتخلص منها من كلا العدوين إن صح التعبير، الإصلاح عبر إضعاف القادة العسكريين المحسوبين له، والحوثيين عبر إضعافهم في حربهم مع الإصلاح.
كانت صفقة خاسرة تلك التي راهنت على إضعاف حزب أو قائد عسكري مقابل إسقاط وطن وضياع جمهورية وتشرد الملايين من أبنائه واغتيال واعتقال سياسييه ورموزه الوطنية وإهانتهم.
استشهد القشيبي ودخل الحوثيون عمران وكان الرئيس حينها مايزال مخدوعا بسذاجة ضرب عصفورين بحجر واحد متناسيا أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، أما هو فقد لدغ عشرات المرات ولم يتعلم كيف يصنع المواقف وكيف ينتهز استغلال الفرص أو أن يوحد الصف.
سقطت عمران وتهاوت قلاع رموز السيطرة المحسوبة على حزب الإصلاح وعلى رأسها بيت الأحمر وقيادة الفرقة أولى مدرع، ولكننا أيضا سقطنا وسقطت عاصمتنا ودولتنا وحريتنا.
سقطت القيم والمبادئ والأخلاق العسكرية والمدنية، ووقف الحوثي على رأس الجميع.. هذه هي خلاصة المماحكات السياسية.. خلاصة الغوص في تفاصيل تافهة على حساب المشاريع الكبيرة.
وبين كل هذا السقوط لنا كان ولا يزال سقوط القشيبي ورجال المقاومة الذين دافعوا عن عمران وصنعاء شهداء هو السقوط الذي سجله التاريخ دون أن يسجل لهم أي انتماء غير الوطن وحزبا غير اليمن ومصيرا غير شرف التضحية الباسلة.