انعقد البرلمان مكتمل النصاب في مدينة سيئون التابعة لإقليم حضرموت شرق اليمن رغم تأخر هذا الاستحقاق والمحاولات الحوثية المستمرة لإفشال هذا الانجاز اليمني والعربي العظيم.
ها هو البرلمان يعقد جلساته ليناقش هموم ومشاكل اليمنيين ومتطلبات المرحلة، فقد تركت الحرب، المستمرة منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء، أحمالا ثقيلة ومهاما صعبة جعلت البلاد أكبر كارثة انسانية في التاريخ البشري الحديث والتي يجب أن يضطلع أعضاء المجلس بدورهم في التعامل معها بما يساعد على تحقيق النصر وتحسين أوضاع اليمنيين.
اليوم أمام البرلمان عدد كبير من الملفات والقضايا التي يجب أن ينجزها خلال الفترة القادمة، إلا أني أريد عبر هذه المقالة الموجزة أن أشير إلى قضية هامة وعاجلة أعتقد أن من واجب البرلمان أن يوليها اهتمامه الخاص.
يعلم الجميع بأن الدول المانحة قدمت، خلال السنوات الأربع الماضية، ملايين الدولارات للمنظمات الدولية بهدف تقديمها كمساعدات عاجلة للمتضررين من الحرب في اليمن.. لكننا كيمنيين لا نعلم ما هو مصير هذه الاموال؟ أين ذهبت؟ وكيف تم صرفها ولمن؟
وفي هذا السياق، كان بيان رسمي لمنظمة الغذاء العالمي قد اعترف بأن تقييماتها كشفت أن أكثر من 60% من المساعدات لم تذهب لمن يستحقها في اليمن خلال أعوام الحرب، وهذه جريمة لا يجب السكوت عنها أو تسقط بالتقادم، لاسيما ومنظمة الغذاء لم تفعل شيئا بشأنها حتى هذه اللحظة.
واضافة لعدم وصول المساعدات لمستحقيها أو عن سوء جودتها أو خروجها عن نطاق المستحقين لها، يعرف اليمنيون بأن هناك نفقات عبثية للمنظمات الدولية أثناء تنفيذ مشاريعها، بالإضافة إلى خضوعها لأهواء ورغبات المليشيات المسلحة في توزيع تلك المساعدات عبر منظمات منحازة قامت المليشيا بإنشائها لخدمة أجندتها الحربية وهو ما يجعل كثيراً منها يتسرب إلى غير مستحقيها، أو لدعم جبهات القتال. فالأعمال الاغاثية لا تخضع لأي تقييم معلن أو رقابة حكومية أو مجتمعية أو حتى من قبل الدول المانحة.
ومن منطلق الشفافية الحاكمة لأعمال المنظمات وتستوجبها مبادئ العمل الإنساني ويشترطها الممولون، وبحكم أن الأموال التي تبرعت بها الدول المانحة للشعب اليمني هي مال عام يمتلكه الشعب اليمني، فمن حق البرلمان المعني بالعمل الرقابي أن يطالب بإخضاع تلك التمويلات للرقابة والمشاركة المجتمعية لمواجهة النشاط المشبوه الذي تمارسه مكاتب المنظمات الدولية في اليمن والتي باتت اليوم جزءا من اقتصاد الحرب، وتحاول سلب الدولة صلاحياتها الإدارية والمالية والسياسية وتعمل على تعطيل تحركها العسكري لتحافظ على بقاء الوضع كما هو عليه.
"شفافية العمل الإغاثي".. هذا ما يجب أن يطالب به البرلمان اليمني اليوم. على كل منظمة أن تكشف عن حجم التمويلات التي حصلت عليها خلال السنوات الماضية كمساعدات للشعب اليمني، وأن توضح- بشكل دقيق- كيف صرفت ووزعت هذه الأموال، وتوضيح حجم التكاليف التشغيلية وتفصيل كل بند فيها، وتحديد المعايير التي تم بموجبها تقديم المساعدات، وحجم الاستهداف الجغرافي والسكاني على مستوى المديريات أو العزل. يجب أن نعرف لمن سلمت هذه المساعدات؟ هل سلمت مباشرة من المنظمة للمستفيدين، أم كان هناك أشخاص أو منظمات وسيطة؟ ما أسماء هذه المنظمات ومن يديرونها؟ كما يجب الكشف عن أسماء الأطراف التي أعاقت عملية إيصال المساعدات للمحتاجين في كافة الأراضي اليمنية ما تسبب بحدوث مجاعة وانتشار الأوبئة، بالإضافة إلى الكشف عن المتورطين في إدخال مساعدات فاسدة إلى اليمن لاسيما تلك المساعدات التي قدمها برنامج الغذاء العالمي والبذور التي تنشر الامراض التي توزعها الفاو وما هي الاجراءات التي تم اتخاذها بشأنهم؟!
يجب على كل منظمة حصلت على تمويلات بهدف توزيعها كمساعدات عاجلة لليمنيين أن تقوم بإشهار خطتها الخاصة بتوزيع هذه المساعدات وكذلك تقارير الانجاز التفصيلية الربعية والسنوية، وأن تلزم الحكومة المنظمات بأن لا تزيد نسبة التكاليف التشغيلية في مكاتب المنظمات في اليمن عن 5% من اجمالي المبالغ التي تحصل عليها، وأن تحرص على توزيع هذه المساعدات لسكان المناطق المهددة بالمجاعة والمحاصرة كتهامة وتعز ولحج، وأن تتأكد من عدم تبعية المنظمات المحلية الشريكة لها لأي جماعات مسلحة كي لا يتم استخدام هذه المساعدات كوسيلة لاستغلال الفقراء والزج بهم لجبهات القتال وتصير بذلك المساعدات اداة لتأجيج الحرب كما حدث خلال السنوات الماضية.
على البرلمان أن يوصي الحكومة ممثلة بوزارتي الخارجية والتخطيط والتعاون الدولي بأن تلزم هذه المنظمات بالانحياز لصالح القضايا الإنسانية في اليمن وأن لا توظف المساعدات لصالح أطراف سياسية معينة. فهل يمكن ذلك يا برلماننا الموقر؟!