لو تتبعنا سيرة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- من أصولها الصحيحة، كما ورد ذكره في السير وكتب الأحاديث، ومحصناها بعقل ومنطق سنجد أنه هو من يرد على المتشيعين له، ولم يقم لهم حجة، وأن كل افتراءاتهم باطلة في موضوع الولاية وغدير خم على وجه التحديد.
فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده عن رياح بن الحارث قال: "جاء رهط إلى علي بالرحبة، فقالوا: السلام عليك يا مولانا.. فقال: كيف أكون مولاكم، وأنتم قوم عرب؟! قالوا: سـمعنا رسول الله يقول يوم غدير خم: "من كنت مولاه فهذا مولاه"،.. قال رياح: فلما مضوا اتبعتهم فسألت من هؤلاء؟.. قالوا: نفر من الأنصار، فيهم أبو أيوب الأنصاري". ( مسند الإمام أحمد: ج5/ صـ419).
لم يفهم علي كلام النفر (المولى) على أنه أمر الولاية والخلافة أو الإمامة، بل فهم من هذا اللفظ الجوار والحلف كما كانت عادة العرب مع المستضعفين المجاورين.
فقد استنكر منهم مناداته بـ (مولانا)، لو كان يراها مرادفة لـ "يا أميرنا" أو يا "إمامنا" لما استنكر على القائلين تلك المناداة.
وحينما اشتدت المعارك على المسلمين بين علي ومعاوية في معركة صفين تحديداً، جاء نفر من المسلمين يستوثقون علياً بن أبي طالب وعمار بن ياسر، قائلين لهم: الرأي يخطئ ويصيب فهل عهد لك رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء لم يعهده للمسلمين؟!
لنترك الإجابة عن هذا السؤال لعلي وعمار رضي الله عنهما.
فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من التابعين منهم الحارث بن سويد، وقيس بن عباد، وأبو جحيفة وهب بن عبدالله السوائي، ويزيد بن شريك، وأبو حسان الأجرد، وغيرهم أن كلاً منهم قال: قلت لعلي: هل عندكم شيء عهده إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهده إلى الناس؟ فقال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في القرآن، وما في هذه الصحيفة. قلت: وما في هذه الصحيفة؟ فإذا فيها العقل وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر، وأن المدينة حرم ما بين ثبيرة إلى ثور". ( البداية والنهاية: ج5/صـ268. ومسند الإمام أحمد ابن حنبل: ج2/صـ33.).
وفي رواية عند مسلم: سئل علي - رضي الله عنه- أخصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء؟ فقال: ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء لم يعم به الناس كافة، إلا ما كان في قراب سيفي هذا، قال: فأخرج صحيفة مكتوباً فيها: لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من سرق منار الأرض، ولعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى محدثاً". ( صحيح مسلم: رقم الحديث 5034- ج7/ صـ3091).
وسئل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في عهد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- هل أوصى لك الرسول بشيء؟!
فقال علي - رضي الله عنه: "وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْ عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَهْدًا لَجَاهَدْتُ عَلَيْهِ وَلَمْ أَتْرُكِ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ يَرْقَى دَرَجَةً وَاحِدَةً مِنْ مِنْبَرِهِ".
ولما كتب علي كتاباً إلى معاوية لم يقل له أنا الأحق بالخلافة لأني ابن عم رسول الله وصهره، ولم يقل إن الرسول أوصى لي بالولاية، ولم يتأول الآيات، ولم يعتسف النصوص ليقول إنها تأييد إلهي لخلافته وولايته، بل قال له: "إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضاً؛ فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى". (نهج البلاغة – صـ542).
(من كتابي: الإمامة.. النظرية والجريمة)