في اليمن كثيرة هي الأحزاب والتيارات التي قامت على أسسٍ وتوجهات ناصرية، اشتراكية، بعثية، إسلامية، شعبية، قبلية، مناطقية، مذهبية، لكن لا تجد من بين هذه الأحزاب من قام على أساس جمهوري سبتمبري، ينشر ثقافة سبتمبر، ويغرس في الجيل خطورة الإمامة ومشروعها العنصري!
لذلك نشأ جيلنا غير مدرك لخطورة الإمامة وأهمية التضحيات التي قدمها الآباء.
حدثونا عن عفلق ولم يحدثونا عن السلال، وعن لينين ولم يحدثونا عن النعمان، وعن الترابي أكثر مما حدثونا عن الزبيري، وعن نايف حواتمه أكثر من علي عبدالمغني، وعن المدخلي أكثر من نشوان الحميري..
هكذا غيبوا وعينا وتجاهلوا رموزنا، فنشأ جيل يعرف كل شيء إلا رموز ثورته وعمالقتها الكبار، كالقردعي، والعواضي، والإرياني، والثلايا، وجزيلان!
مَن من هذه الأحزاب كان يستضيف الرئيس عبدالله السلال في دوراته وأمسياته التنظيمية ليسمع الأعضاء تجربة الثوار وتضحياتهم، أو يطلب من الرئيس عبدالرحمن الإرياني الجلوس مع قيادات حزبه حتى يتلقوا على يديه دورات مكثفة عن سبتمبر ودوره في الانعتاق من الرق والذل.
عاش السلال في أوساطنا، يسكن عاصمتنا صنعاء، يخرج إلى المطعم وحده، ويسير إلى المسجد بمفرده، ولم نفكر كشباب أحزابٍ وجماعاتٍ بمختلف مسمياتها، في زيارته، أو التعرف عليه، أو السماع منه!
كل ذلك لأن الرجل وكل رموز سبتمبر، غُيبت من واقعنا، وأذهاننا، ولم يحدثنا عنه وعن رفاق دربه أحد!
تخيل والدك، وزعيم ثورتك، وصاحب الفضل الأول بعد الله في تحريرك، يسكن العاصمة، ولا حتى تفكر في زيارته، بينما تسقط غترتك وانت تزاحم للسلام على عمرو خالد! يا له من عقوق!
كنا نشاهد السلال في التلفاز، في أعياد الثورة، وهو في المنصة فنصفق لعلي عبدالله صالح، ولا ندري من هذا الشيبة الذي يلبس الكوفية يجلس مع مسؤولي الدولة بجواره!
أُميين نشأنا.. لانعرف ما هي الإمامة، ولا ماذا يعني لنا سبتمبر، بل كنا نقرب ونبجل عناصر الإمامة ونسيدها في أعلى هرم لأحزابنا وجماعاتنا ودولتنا.!!
كنا نحمل في أكمامنا الحيات والثعابين ونحن لا نشعر، ونعطي السكين لعدونا فيذبحنا ونحن نغط في عمق غفلتنا.
كنا أغبياء في هذا الشأن لذلك سلَّمنا جمهوريتنا ودولتنا ومجتمعنا للإمامة من جديد، ولم نصن مجداً ورَّثه لنا هؤلاء الآباء الكرام.
لقد تناغمنا معها بجهل وغباء ووضعنا مساحيق التجميل على وجهها القبيح ببلادة متناهية. بل ليس هناك من فَضْلٍ في إظهار وجه الإمامة القبيح لأحد من المعاصرين، الفضل للإمامة نفسها فهي بسوء تصرفاتها من كشفت عن سوءتها وأظهرت قبح مشروعها وقدمت نفسها لليمنيين في ثوب عنصري حاقد، فعرفوها وعرفوا فضل وجهد وأهمية تضحيات الآباء في هزيمتها وإقامة الجمهورية على أنقاضها.
أما نحن للأسف فقد كنا جميعاً بأحزابنا، وجماعاتنا، ومشايخنا، ووجاهاتنا، ومسؤولينا، وحكامنا، من الزنابيل الكبيرة التي بدون معاليق. فهل سنتدارك ما ضيعناه ونعرف ما الذي يجب علينا تجاه الإرث العظيم الذي خلفه لنا الآباء والأجداد، أم أن الزنبلة قد كُتِبت علينا؟!