حسين العزّي يمجّد الإمام يحيى، وهذا جيّد وطبيعي، فهذا هو الخط التاريخي الذي ينتمون إليه.
ما ليس طبيعيا هو أن كثيرا ممن يعتبرون أنفسهم جمهوريين لا يزالون يشاركون الحوثيين في تبخيس التجربة الجمهورية ورموزها ومآثرها، أو يبخسون معظم سنواتها وأعمالها، يفعلون ذلك من منطلق أنها تجربة مغشوشة وناقصة، وفقاً لنموذج متخيل عن الجمهورية الكاملة!
مع أن تلك التجربة "الناقصة" "المغشوشة" "المعيوبة"، لو حكمنا عليها فقط بالقياس إلى ما قبلها وإلى ما بعدها ستبدو متوهجة وعظيمة وجديرة بالفخر والاعتزاز.
هؤلاء الجمهوريون التجريديون يفضلون الوقوف في مواجهة الإمامة خاليي الوفاض، ضمارهم فكرة غامضة، كلمة فارغة، "الجمهورية" مجرد كلمة يرددونها، وليست تجربة طرية أصبح لها شواهد وأخبار وإرث لم يستطع حتى الحوثيين إلى اليوم القفز عليه وطمسه دفعة واحدة.
الدستور، وفكرة الدستور نفسها، الانتخابات، التعليم العام الحديث، الجامعات، النقابات، الأحزاب، الصحف، البرلمان، المجالس المحلية، الوحدة، المفاهيم السياسية الجديدة، الوعي بالحرية والمساواة… إلى آخره.!
يعني كل هذه التفاصيل الحيّة التي عشناها في التجربة الجمهورية لا قيمة لها ولا اعتبار؟
الله الله والبطرة اللي فيكم.
كان يمكن أن نتفهم هذه البطرة قبل أن يضيع الموجود، ولكن وقد وضاع كلّ شيء، ورجعنا إلى ما نحن فيه اليوم، فأين المشكلة لو اعتبرنا تلك الحقبة عصرنا الذهبي حتى يسعدنا الحظ بحقبة أجلّ منها وأعلى قيمة؟
الغرب أعاد إحياء فكرتي الجمهورية والديمقراطية استناداً إلى التجارب التاريخية القديمة "الناقصة" و"المغشوشة" في روما واليونان. وعندما كان ميكيافيلي مثلاً يقارن بين حكم الجماهير وحكم الأمراء والحكم الثيوقراطي، فإنه كان يستند إلى مخزون من الأمثلة التاريخية عن كلّ منها.
أما نحن فخضنا التجربة الجمهورية دون سوابق تاريخية، كل شيء كان بِكْر وجديد، وتوطين فكرة كهذه لم يكن بالأمر اليسير.