أسلمت مصر وتعربت وصارت قلب العروبة والاسلام دون أن تلغي شخصيتها الحضارية بل أذابت كل الذوات في ذاتية مصر، فلا بلد أستقبل كل الهويات في القديم والأقدم منه والحديث مثل مصر ولكن كل وافد يتحول بشخصية مصر وحفظ مصر لأثرها الماضوي الى مصري، الرومي تحول الى مصري، واليوناني، والبيزنطي، واليمني، والبطلومي، والمقدوني، الشركسي، الجركسي، التتري، الألباني، والتركي، كل هؤلاء تحولوا الى مصريين، تحت سقف مصر وذاتية المصري.
لماذا يجب أن نفقد شخصيتنا اليمانية في سبيل القول أننا لسنا عنصريين؟ لماذا يجب أن نتخلى عن هويتنا للإثبات أننا عرب ونحن مادة العرب ؟ لماذا يجب أن نلغي وجودنا وبقية الأثر الماجد لإثبات إسلامنا ونحن من أسلم أول الناس وطار به الى العالم كله ؟
الذي يحفظ مصر هو التأريخ، هو التمسك بالماضي وتحريكه لصنع الحاضر والمستقبل، ولذا بقت مصر رغم كل شيء، فلا يمكن لأن يقول المقدوني بأحقيته بالأسكندرية ولا يمكن للمملوكي أن يقول أنه التركي له الحق في قلاع مصر وفي دمياط ولا يمكن لحفيد محمد علي الألباني الأصل أن يقول أنه باني نهضة مضر ويستحضر جدوده الشقر ويدعوا لآله وبيته وأحقيته في الحكم ويعود ذلك الثبات لأن مصر حفظت وجودها الأزلي ففي مصر يجب أن تكون مصرياً أو لا تكون في المصر.
قلت لصديقي في مأرب، أوَ تدري أين هي المشكلة؟ مشكلتنا سواء الشمال أو الجنوب أننا لم نتعرض للتستعمار الفرنسي أو البريطاني، أو لهما معاً، وخاصة في الشمال، والا لكانوا كما فعلوا في كل مكان بدواعٍ مهما كانت استعمارية نقبوا عن أثر البلاد وأحيوا مجدها الكبير، وأخرجوا شخصيتنا الكاملة الى الناس. مشكلتنا أن الإمامة من حكمتنا وهي تسعى لإلغاء الذات الحضارية ليشعر اليمني بوجوده القليل، فلا ينتفخ ويستشعر نفسه، ويصير عبداً للحلب والصر.
لنفتخر بكل شيء، بالوعل والمسند ولندور حول آوام وليشمخ اليمني بيمنيته فهو اصل كل شيء، من معين الى البابل، من قرن شمر يهرعش الى سمرقند، ومن مأرب الى الكوفة ومن براقش الى قرطبة ومن يثرب الى باب الأبواب والمسند تأريخنا اليماني المذهب بالمجد والحضارة.
ملاحظة أخيرة: على الوافد أن يحترم هذه البلاد وأن يتخلى عن شخصيته كي يكون من هذه البلاد بحقوقه وواجباته وليس العكس أن نمغط تأريخنا كيلا نصيب نفسياتهم بالتعب!
تحت هذه التربة، في الصورة، تنام اليمن مطمورة بالجهل والنكران وانكار الشيء لذاته.
هنا تنام شخصية فذة، طالت العالم كله.