قرابة الثلاثة عقود قضاها اليمنيون في الخوض حول بعض التفاصيل الصغيرة التي حملت لنا نهايات مأساوية كبيرة تشكلت على مهل بدأت كمنافسة حزبية وادعاءات متبادلة بين فريقي أو شريكي الحكم الإصلاح والمؤتمر، منحت الهاشمية السياسية حق النفاذ إلى الجسد الجمهوري للدولة، فتم إعداد العدة لإعادة الإمامة مستغلين حالة التنافس المؤتمري الاصلاحي في الحكم، فغالبا ما كان الإصلاح يتهم المؤتمر بالفساد ومساعي الرئيس السابق نحو توريث الحكم، كما كان المؤتمر يتهم الإصلاح بالسعي نحو اخونة الدولة وهي ذات التهمة التي توجه للحزب اليوم في مارب وتعز وشبوة وغيرها، وهي تهمة وان حمل الحزب نصيب منها الا انه لا يفترض ان تكون مثار سخط واتهام لشق الصف الجمهوري المقاوم وفسخه من الداخل واغفال النظر عن اصحاب المشاريع الافشاليه لكل ما من شأنه ان يساهم بتحرر الصف الجمهوري من مؤخرات النصر ومكابدات الخسارة التي يتلقاها بين فينة واخرى من قبل من يمارسون بحق الدولة والاحزاب والتنظيمات هوشمة الدولة الاختراق الهاشمي الاصعب والاكثر كارثيه في تاريخ سبتمبر ومراحل التحرر من سيطرة إمامة غلمان بدر الدين وكهنته.
واذا كان اليمنيون قد تنبهوا لفساد رجال المؤتمر ولمساعي الإصلاح نحو اخونة الدولة كنتيجة من نتائج سياسة المحاصصة الحكومية التي غالبا ما كانت تقدم كحلا للازمات بين الحزبين، إلا أنهم لم يتنبهوا لما هو اكبر من فساد حكومات المؤتمر وما هو اكثر خطورة من مخاطر اخونة الدولة من قبل الإصلاح، وهو ما دعانا للكتابة عن هذا الموضوع.
حيث تعتبر مسألة هوشمة الدولة داخل الشرعية الرديف الناعم لما يمكن ان نسميه أيضا حوثنة الدولة في مناطق سيطرة الانقلابيين، والفارق بينهما أي بين هواشم الشرعية وحوثة صنعاء، ان الحوثنة تعمل وتنشط وسط بيئة انقلابية مسيطرة وواضحة فرضت امر واقع وأثبتت حضورها أيا كان موقفنا منها.
أما هوشمة الدولة فهي المسألة الأكثر تعقيدا والأكثر تشعبا وإرباكا للمشهد الوظيفي العام والأداء الحكومي والقرار السيادي داخل حكومة الشرعية.
ربما يكون مصطلح هوشمة الدولة جديد على البعض رغم انه في واقع الأمر حقيقة متجذرة الأصول والفروع داخل الدولة استمر لمدة عقود طويلة، وما زال قائما حتى اليوم والفارق بين هوشمة الدولة واخونتها، هي ان الهاشمية متمسكة في شرايين القرار السياسي والحزبي والعسكري داخل حكومة الشرعية، بحيث كانت ولا زالت تمارس دورها وسط بيئة هادئة وحقول متنوعة تجعلها نافذة القرار مسموعة الجانب مسيرة للمهام الخاصة والعامة ومتحكمة في المشهد السياسي ومتورطة في تعقيداته العامة بحكم تواجدها في مركز القرار، فكان وجودها هذا مثار شك وريبة دائمة تجاه الأدوار والمهام التي يمارسها هؤلاء داخل أجهزة الدولة وشرعيتها، و اذا ما تم قياس تواجدهم اليوم وفق أنشطة ومهام وأدوار سابقة للمنتمين للهاشمية داخل أجهزة الدولة سابقا والتي اثبتوا فيها ولائهم المطلق لمشروعهم السلالي الانقلابي الذي انتج الحركة الحوثية على حساب مشروع الوطن الجامع من قلب الدولة والمهام والمسؤوليات التي كانت على عاتقهم.
في حين كانت سياسة اخونة الدولة سياسة إصلاحية تسعى إلى محاولة للاستئثار بالوظيفة العامة واحتكارها لصالح الحزب وفق رؤية حزبية ضيقة لكنها لم تشكل تهديد وجود وهوية لليمنيين كما تشكله مخاطر هوشمة الدولة، وتظل مرتبطة وملزومة بالقواعد الدستورية للدولة حتى ولو حاول البعض تجاوزها، بل ان هذه السياسة في الإصلاح قد جلبت على الحزب العديد من الأضرار والمثالب اكثر من منافعها.
لقد ساعدت مثل هذه التعميمات والاتهامات التي تلقاها الحزب والتي أفضت إلى أزمات بين جميع الأحزاب ساهمت في إقصاء الفهم والوعي السياسي والمزاج الشعبي العام وتحويله عن ادراك المخططات الهاشمية التي مارست هوشمة الدولة بكل أريحيه ووثوق انتهت بحوثنة الدولة وإعلان انقلابهم الذي شكل نهاية لتغلغل الهاشمية السياسية داخل مراكز القرار.
قد يتسأل البعض عن مصدر القلق في ان يشغل الهاشميون الوظيفة العامة داخل مراكز الشرعية فهم في نهاية الأمر يمنيون ومن الطبيعي ان ينتظموا وظيفيا في أجهزة الدولة ومؤسساتها العامة، وهو ما نعتبره حقا طبيعيا لهم كما هو حق لغيرهم من اليمنيين ولكن من حقنا أيضا ان نعبر عن قلقنا وشكوكنا نحو قضية هوشمة الدولة بأثارة هذه التساؤلات المشروعة التي يفترض علينا كيمنيين إثارتها في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ اليمن وشعبه تفاديا للاسوا وهي دعوة لكل يمني ان يفتح عينيه جيدا على كل هواشم الشرعية الذين يعملون في الدرجات الوظيفية العليا في الدولة وابقائهم تحت عين الرقابة الشعبية.
فكم عدد المناصب الحكومية من الدرجة الوظيفية الأولى والثانية في الوزارات والمؤسسات والإدارات الحكومية المدنية والعسكرية والأمنية والقضائية التي يشغلها الهواشم داخل هذه الإدارات.
ما مدى تأثير هواشم الشرعية على القرار السيادي للشرعية في حربها الحالية سلبا وإيجابا، وكيف يمكننا فهم واقع تواجدهم في مراكز القرار في الشرعية والأحزاب الموالية لها وفق معطيات الوضع الحالي.
ماهي القدرات والمؤهلات الشخصية التي مكنتهم من الوصول إلى اعلى درجات السلم الوظيفي في الدولة، ومن المتحكم داخل الجهاز الإداري بقرارات التعيين والمنح.
كيف أثرت مساعي هوشمة الدولة على النخب الوطنية السياسية والعسكرية والثقافية والإعلامية الجمهورية العتيقة والموثوقة في إقصائهم وأبعادهم من مواقعهم في إدارة الدولة، ولصالح من يتم هذا الإقصاء خاصة ونحن في مرحلة نحن أحوج فيها لكل الجهود الوطنية المخلصة.
هل تجربة اليمنيين منذ انطلاق ثورة السادس والعشرين من سبتمبر وحتى اليوم مع الهاشميين يشجع على مضي الدولة في الاستمرار مع نهجها الحالي الخاص بهوشمة الدولة، وفتح مراكز القرار والنفوذ الحكومي والحزبي لصالح حضورهم، بحيث لا يمر قرار تعيين ولا خطط استراتيجية ولا أنشطة ثقافية ولا إعلامية ولا عسكرية او مدنية إلا عبر بوابتهم ومجهر نظرتهم الخاصة، فهل كانوا أمناء على الدولة والمهام التي أوكلوا اليها ام انهم ما زالوا يمارسون من داخل العمل الحكومي والمؤسسي والحزبي التقية الهاشمية التي قد تفاجأنا بسقوط تام للشرعية او قد تنتج تفرخات هاشمية انقلابية جديدة داخلها.
ماهي التطمينات الهاشمية التي بعث بها الهواشم داخل الإدارات والمؤسسات الحكومية والحزبية الشرعية لكي يمنحوا القيادة العليا والشعبية، الثقة المطلقة تجاههم، فما هي مميزات و دوافع ومحفزات هذه التعيينات في حين يتواجد العديد من الشخصيات الإدارية الأكثر كفائه والأبعد شبهه والأضمن ولاء للدولة والوطن محيدين ومركنين جانبا.
اليس الأولى لنا ونحن نعيش واقع الحرب الذي فرضه الحوثيين بمنهجية سلالية أثبتت نفوذها وتغلغلها في مراكز القرار داخل الدولة طيلة عقود من عمر الثورة والجمهورية وحتى تاريخ الانقلاب المشؤوم، ان يتم تحييد هذه الشخصيات الهاشمية من العمل في المراكز الحساسة في الأجهزة الإدارية في الدولة، حتى تنجلي هذه الفترة بكل ما حملت من أثار وترسبات ساهمت في أضعاف الأداء الحكومي العام، رغم أننا لا نحملهم المسؤولية الكاملة تجاه فشل الجانب الحكومي في إدارة مسار المعركة العسكرية والمدنية، إلا أننا لا نملك ما يمكننا من تبرئت أدوارهم تلك وإخراجها من دائرة الشبهات، وهذا يؤكد نجاعة الحلول الخاصة بتحييدهم وإفراغ دوائر القرار الحكومي من قيادة الصف الأول والثاني من نفوذهم كنوع من التحصين الذاتي للقرار السيادي في مراحله الحالية.
اليست الاخفاقت وفشل بعض السياسات العسكرية والاقتصادية والسياسية تدعونا كيمنيين ان نسأل عن احتمالية دور هواشم الشرعية فيها وهي اسألة مشروعه ولنا معهم بهذا الجانب تجربة سابقة؟
ان خطورة هوشمة الوظيفة العامة والقرار السيادي في الحكومة، تكمن في تغلغل الهاشميين في جميع مفاصل الدولة السياسية والعسكرية والأمنية والقضائية، كما تغلغلوا داخل التنظيمات السياسية والحزبية كأمناء عموم ونواب وهيئات رئاسية وتنظيمية عليا مكنتهم من تشكيل لوبي هاشمي يتجاوز الحزبية والأيديولوجيات الخاصة بها، لصالح الهاشمية الخاصة التي تشكل رابطة انتماء جمعي ينضوي فيها جميع هواشم اليمن وربما هواشم العالم، سواء كانوا اخوان مسلمين او اشتراكيين علمانيين او شيوعيين سنة او شيعة سلفيين مبلغين او يساريين وملحدين، تختلف الاتجاهات الفكرية الهاشمية لكنها تتوحد وتجتمع حول الهاشمية الضيقة كانتماء طبيعي وعامل مشترك يتجاوزون من خلاله جميع المحركات والأيديولوجيات القومية والوطنية والفكرية والانطلاق بعقيدة سلالية واحده، وهذا هو موطن القلق الحقيقي تجاههم والذي لا يمنع من احتمالية تلاقيهم في بعض النواحي المشتركة التي قد يتخادم من خلالها بعض هواشم الشرعية مع هواشم الانقلاب الطهراني في صنعاء، مستغلين صفة المرونة لديهم ونفسهم الطويل في إعاقة المشاريع الوطنية لدولة السادس والعشرين من سبتمبر غريمهم الأول والأخير، عبر قدرتهم التحور والتأقلم والتكيف مع مختلف الظروف والتعايش مع مختلف البيئات في تقية صريحة تشكل جزء مهم من تكوينهم النفسي، لصالح البقاء والنفوذ الذي يسعون اليه، وفق ما يمكن ان نعتبره دارونية هاشمية داخل الدولة تعتمد قانون البقاء للأصلح والأنفع الذي يرونه حقا وحصرا عليهم داخل مختلف المكونات الخاصة بالدولة والأحزاب والمجتمع يتم من خلاله مراعاة توجهاتهم الخاصة ومشاريعهم النافذة التي تضمن السلطة والحكم لهم تحت أي مسمى أو صفة.