تواصل معي الصديق العزيز الأستاذ عبدالعزيز جباري بعد أن نشرت - كغيري - بعض الملاحظات حول بيانه الأخير المشترك مع الدكتور أحمد عبيد بن دغر.
عتب علي الأستاذ في طرحي الذي قال إنه لم يكن يتوقعه بحكم معرفتي به وبالدكتور ابن دغر.
وعلى مدار ساعة تناقشنا حول البيان، ودار حديث في تفاصيل كثيرة، ليس هنا مجال ذكرها.
البيان بالطبع حرك الكثير من المياه وأثار الكثير من ردود الأفعال المؤيدة والمعارضة.
والذين انتقدوا البيان فريقان: فريق ليس لديه غرض مسبق أو موقف سلبي من الرجلين، ولكن ساءه أن يأتي البيان ببعض العبارات التي فهم منها أن السلام المقصود في البيان يعني التعايش مع الانقلاب الحوثي، إن لم نقل الاستسلام له، خاصة وأن البيان لم يحدد آلية معينة لكيفية تحقيق السلام مع تلك الجماعة التي ترفض السلام وتشن حرباً لا هوادة فيها على شعبنا في كل محافظات الجمهورية، وقد جاء البيان بعد أن لقنت مأرب الحوثيين دروساً قاسية خلال الأسابيع الأخيرة لدرجة أن اقتحامها تحول من حلم إلى كابوس لعصابات الكهنة. كما أن هذا الفريق يرى أن الحل العسكري لم يصل إلى طريق مسدود، ولكنه يفتقر للإرادة السياسية للحسم، وأن الذي وصل إلى طريق مسدود هو - بالأحرى - الحل السياسي، الذي لولا انسداده لما تفجرت الحرب. هذا الفريق من المنتقدين – وأنا منه – ساءه أن يستعمل البيان تعبير "فرقاء الصراع"، لما لهذا المصطلح من إيحاءات قد تشعر بمساواة طرف معترف به دولياً مع آخر لا يعترف به أحد.
أما الفريق الآخر فقد ذهب بعيداً في تأويل البيان، محاولاً بكل الوسائل ليّ أعناق نصوصه، لتتوافق مع استنتاجاته المسبقة عن أن الرجلين يستهدفان رئيس الجمهورية، وفي حقيقة الأمر أن نص البيان لا يحمل أي إساءة للرئيس إلا في أذهان من أرادوا الإساءة للرئيس باسم ابن دغر وجباري، ناهيك عن فريق آخر توسع في القول إن الرجلين دفعا من أطراف أجنبية للتآمر على الشرعية والتحالف العربي، وغير ذلك من طروحات لا تستحق الرد.
أبلغت الأستاذ جباري - بكل ود وإخلاص – بوجهة نظري في البيان الذي ذكرت أنني اتفق مع الكثير مماجاء فيه، وقال التالي:
أولاً: أنت تعرف أنني من أكثر الناس معرفة بالحوثيين ونظرتهم للسلام، وقد حضرت معهم جولات تفاوض كثيرة، وأنا أعلم أنهم لن ينصاعوا للسلام، وقد وجهنا الدعوة للسلام مع علمنا برفضهم لها إبراء للذمة أما شعبنا وأما العالم، ولم يدر بخلدنا إطلاقاً أن نتعايش مع الانقلاب، أو نسلم به، ولم يكن هذا ما قصدناه في البيان.
أضاف الأستاذ جباري: أما فيما يخص تسمية "أطراف الصراع" فقد قصدنا بها "الأطراف المتصارعة" داخل الشرعية، ولم نقصد أبداً مساواة الانقلابيين بالطرف المعترف بشرعيته، ولكننا نرى أن الخلافات داخل مؤسسة الشرعية تتسع، وأن الصراع يزداد، ولابد لهذه الأطراف من إدراك مسؤوليتها الوطنية بتلاحمها في سبيل مشروع وطني جامع.
تحدث الأستاذ جباري عن ضرورة قيادة المشروع الوطني للخروج من الحالة الراهنة، وفصل كثيراً في هذا الشأن، مؤكداً على ضرورة رص الصفوف لتحقيق أهداف ذلك المشروع، في مواجهى الانقلاب الإمامي الجديد، تحت راية الجمهورية واليمن الاتحادي.
والحقيقة أن معظم اليمنيين اليوم يدركون مدى الحاجة إلى ضبط البوصلة، والتوحد لدحر الانقلاب الكهنوتي في بلادنا، وإعادة ضبط إيقاع المعركة نحو الأهداف المعلنة، والحرص على عدم فتح الجبهات الجانبية التي تعوق هدف هزيمة المشروع السلالي في اليمن، وضبط الأجندة لدى الشرعية والتحالف لتتسق مع أهداف إسقاط الانقلاب واستعادة الشرعية.
في ختام الاتصال الهاتفي قلت للأستاذ جباري إن البيان كان يحتاج إلى بعض الضبط في بعض العبارات، كي لا يفهم من البيان أنه دعوة للاستسلام لمن يرفض السلام، وأن عبارة "فرقاء الصراع" كان ينبغي أن يوضح من المقصود بها، فرد بقوله: إن الذين يعرفوننا سيحملوننا على سلامة النوايا، والذي يريدون الاصطياد في الماء العكر، هؤلاء لن يرضوا عنا مهما قلنا، ومهما فعلنا.
بقي أن أشير إلى أن الرجلين من وزن ثقيل، ولو لم يكونا كذلك، لما كان لبيانهما كل هذا التفاعل الواسع، ومع ذلك فهما ليسا ملائكة، ومن واجبنا أن نطرح وجهة نظرنا، دون أن نقلل من قدر شخصيتين عرفتا بمواقفهما الوطنية، ودون الدخول في التجريح والتخوين، فهذا الأسلوب لا يجدي، ولم يعد أحد يهتم به.
أخيراً: من حق الجميع أن يختلف مع ابن دغر وجباري، لكن أن ينحرف النقد إلى هجوم شخصي غير مبرر فهذا ما لا يرضاه منصف.
وبدلاً من الشطط في الهجوم أو الدفاع ينبغي استغلال الحراك الذي أحدثه البيان للقيام بمراجعة حقيقية وجادة للوسائل والأجندة والغايات.