تنم تصريحات جورج قرداحي عن جهل عميق بما يجري في اليمن، وقد بدا ذلك واضحا من خلال ردوده المرتبكة وغير المنظمة، فقد كان السؤال مفاجئ له، لم يكن يتوقع مثل هذا السؤال ولا مثل هذه المقارنة بين وضعين مختلفين، لكن صمت المثقفين والمفكرين من الهاشميين ينم عن علم عميق بما يمارسه الحوثي، وهذا الصمت، يدل على الرضا وعلى التماهي مع ما يجري، وهو أخطر من تصريح قرداحي.
من غير المنطقي أن يقبل مثقف عاقل يؤمن بمدنية الدولة وبالمواطنة المتساوية بما تقوم به مليشيات الحوثي، لكن صمت هؤلاء الهاشميين ونقصد بهم أولئك الذين حصلوا على قدر عال من العلم والثقافة والمكانة الإدارية والسياسية عن سلب روح الدولة من قبل الحوثيين بتلك الهمجية التي أحرقت الوطن، يدل على الرضا على ممارسة أولئك الأغبياء عقليا وعاطفيا بممارسة هذا التدمير.
خطأ جورج قرداحي تتحمله الدبلوماسية اليمنية ويمكن تصويبه إذا وحدت الشرعية الخطاب السياسي ونفذته الخارجية اليمنية عن طريق سفارات اليمن في الخارج، لكن صمت شريحة واسعة من الهاشميين ورحلات البعض منهم تحت مظلة السلام مدفوعين بالوسخ التاريخي الذي يجعلهم يعتقدون أنهم أبناء الله ومن سلالة نبيه، يتم الصمت عنه ونتحاشى مناقشته، مع علمنا بمخاطره اليوم وغدا بما يحمله من صواعق ستفجر مذابح سيسجلها التاريخ بأنها فضيعة.
نحن لا نطلب من هؤلاء المستحيل، نطلب منهم، إما الدفاع العلني عن مشروع الحوثيين، أو الدفاع عن مفهوم الدولة الذي يتناقض بكل بساطة مع وجود مليشيات، فالدولة في إحدى تعريفاتها هي سلطة تحتكر القوة لإنفاذ القانون والحفاظ على الحق، فيما مليشيا الحوثي واقعة عدوانية على القانون والحق.
ربما عبر جورج قرداحي عن عدم درايته بحقيقة الحوثي العنصرية، بينما صمت الهاشميين يدل على القبول بهذه العنصرية، جهل قرداحي يمكن تصويبه برسالة من الخارجية اليمنية إلى الخارجية اللبنانية وستقدم الأخيرة اعتذار، لكن صمت الهاشميين من يفك شفرته، ومن يصوب مساره ؟
صمت هؤلاء الهاشميين يدل على قبولهم بهذه النبتة الخبيثة التي نمت على جسد التاريخ، وبصمتهم يريدون الحفاظ على هذا الجرب، وهذا يؤكد أنهم يرون أن السلطة هي الانتصار على حقوق البشر وعلى كرامتهم وكبريائهم وبناء الأسوار العالية ومحاصرة المجتمع وحاجاته وأهدافه وتطلعاته، وهؤلاء لا يدركون بأن صمتهم هو تدمير للمجتمع وتدمير لأنفسهم، لأنه عبر التاريخ لا يمكن أن تحكم مليشيا طائفية مهما طال بها الأمد.
وبدلا من توجيه اللوم لجورج قرداحي، علينا أن نوجهه إلى الخارجية اليمنية وسفاراتنا المنتشرة حول العالم التي يفترض أنها تأسست وخصصت لها الملايين من أموال المواطنين الفقراء من أجل أن تكون عيون الوطن وعقله وفكره وتدافع عنه وترفع من شأنه وتجعله حاضرا بما يليق به في كل المحافل الدولية، فقد استطاعت مذيعة مغمورة مدفوعة بمشروع الحوثي لاصطناع حدث شدت به العالم، بينما سفراؤنا السياسيون والمثقفون لم نسمع منذ سبع سنوات أن أحدهم التقى وزير خارجية البلد الذي هو فيه، أو التقى سفراء البلدان في البلد الذي يعمل فيه.
للأسف أن البلد وقعت بيد نخبة تنقصها المعرفة السياسية الحقيقية، جاءت من قاع المجتمع بكل ما لديها من حقد ونوازع الانتقام وتصفية الحسابات، حتى مع نفسها، فهذه النخبة مصنوعة من القش، تحركها أيد خفية، لذلك فشلت في القراءة الصحيحة وإدراك المسؤلية الوطنية في ظل الاضطرابات والتوترات والتغيرات التي تجتاح المنطقة بعمومها.
وبالعودة إلى المثقف الهاشمي الذي تخلى عن دوره في أن يكون جزءا من المجتمع السوي ومن دولة المواطنة، نجده مجرد نسخة طبق الأصل من حسين الحوثي وأخيه عبد الملك، فهو مرتبط بتاريخ هذه الجماعة الانتهازية، لأن من يقرأ سيرة حسين الحوثي مؤسس هذه الجماعة سيكتشف مدى الجهل السياسي والثقافي لهذه الشخصية الريفية التي خرجت من قرية معزولة عن مظاهر المدنية، لم يقرأ كتابا واحدا عن الاقتصاد أو العلوم السياسية أو الفلسفة تحول إلى زعيم على جماعة مطحونة في الفقر وانتشار الأمراض والأوبئة، ويسكت عن ذلك من حصلوا على الدرجات العلمية من الهاشميين ومن كان وزيرا أو سفيرا أو قائدا حزبيا أو عسكريا، ليدل ذلك على أنهم على نهج هذه المليشيا في أحقيتهم بالحكم وأنه مسألة سماوية وليس للإرادة الشعبية أي دور.
أخلص إلى القول إن مذيعة استطاعت أن تفعل بمقابلة مدتها دقيقة مالم يستطع أن يفعله وزير الإعلام بتغريداته وهشتاجاته وقنواته وإذاعاته وصحفه في سبع سنوات، وبطبيعة الحال فإن وزير الإعلام ضمن منظومة متكاملة، وهو على رأي الشاعر العربي :
ومَا أَنَا إِلَّا مِنْ غَزِيَّةَ إِنْ غَوَتْ... غَوَيْتُ وَإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدِ